ماي 22, 2012

مخابرات كرة القدم

نوفمبر 24, 2009

ليس الكرة وحدها
مسؤولية الأنظمة
النظامان متورطان
أجهزة المخابرات أداة
التضحية من أجل الحرية

لست بصدد التأفف مما جرى من مخاز كروية عربية بين مصر والجزائر، ولا بصدد البكاء على القومية العربية وما آلت إليه جهالات الأمة، وإنما بصدد أنظمة عربية لا تستطيع أن تستمر في الحكم إلا بجهل الناس وسذاجتهم، وبتفوق انفعاليتهم على كل ما هو عقلاني. فما جرى بين الجزائر ومصر ليس أمرا غريبا على الساحة العربية، فقد سبق لجماهير أردنية أن هتفت لشارون (سير سير يا شارون، إنت بغزة واحنا هون) ضد الفلسطينيين داخل الملعب بسبب مباراة كرة قدم، وسبق أيضا أن توترت الأوضاع بين الجزائر ومصر قبل عشرين عاما بسبب الكرة.


الكراهية والحقدية لم تعد تقتصر على الشعوب العربية، وإنما امتدت لتشمل القُطر الواحد، ولتمزق وحدة القطر الشعبية

ليس الكرة وحدها
كرة القدم ليست هي الوحيدة التي تثير البغضاء والكراهية بين الشعوب العربية، وليست هي السبب في تمزيق الأمة، أو هي المظهر الوحيد للغباء أو التغابي، أو التغبية لسلوك شعوب عربية تتبادل الأحقاد والكراهية دون أن تعلم لماذا، أو بالأحرى لأن رجل السياسة لا يهنأ له بال إلا إذا بقيت الأمة ممزقة. الكراهية متبادلة بين الفلسطينيين والأردنيين، بين المغاربة والجزائريين، بين السودانيين والمصريين، بين العراقيين والكويتيين، بين الكويتيين والفلسطينيين، بين اللبنانيين والسوريين، بين القطريين والنجديين، إلخ.

حتى أن الكراهية والحقدية لم تعد تقتصر على الشعوب العربية، وإنما امتدت لتشمل القطر الواحد، ولتمزق وحدة القطر الشعبية. مصر تعاني من التوتر بين الأقباط والمسلمين، بين الصعيدي والبحيري؛ والسودان بين الشمال والجنوب، بين المسلم وغير المسلم، بين العربي وغير العربي؛ اليمن بين الحوثي وغير الحوثي، بين الشمال والجنوب؛ الأردن بين إربد والكرك، بين فلسطيني وأردني؛ فلسطين بين غزة والضفة، حمساوي وفتحاوي؛ سوريا بين حلب والشام؛ لبنان بين الشمال والجنوب، بين السني والشيعي، بين مسيحي الشمال ومسيحي الوسط؛ العراق بين كل واحد والآخر، إلخ.

يذكر كبار السن من أمتنا العربية كيف كانت مراكش تخرج في تظاهرات إذا أصاب ابن البصرة مكروه، وكيف كانت وهران تتضامن فورا مع عمّان، والقاهرة الهادرة عندما تتأذى دمشق؛ وبغداد الثائرة عند كرامة القيروان. ونحن نذكر كيف أن الموانئ العربية تعطلت في بداية الستينيات عندما رفض عمال ميناء نيويورك تنزيل حمولة شحن مصرية لأسباب سياسية، فاضطرت أميركا إلى الانصياع لأن كل سفنها في الموانئ العربية تعطلت حركتها. ونحن نذكر تماما وقفة الأمة مع مصر في حرب السويس، ووقفة العرب مع الجزائر في ثورتها ضد الفرنساويين. أنا أذكر تماما كيف كنا نتسابق ونحن في المدرسة الابتدائية على تقديم التبرعات النقدية للجزائر، وكلنا كنا نتشوق للقتال من أجل الحرية. وأذكر كيف كان الفلسطيني يحمل صندوق التبرعات فيمتلئ مالا من شارع واحد فقط في بيروت أو الاسكندرية أو الدار البيضاء، كان الناس يتبرعون بسخاء.

أغلب تلك الصور الجميلة التي كانت تبشر بوحدة عربية حصينة ومنيعة انقلبت الآن، لتستعد الشعوب والحكومات لخوض حروب عربية عربية من أجل مباراة كرة قدم.


لم يكن من الممكن للظروف الموضوعية التي تحكم الأنظمة العربية إلا أن تفرز سياسات عربية معادية للأمة العربية ومن ضمنها سياسات التجهيل والإصرار على التخلف بخاصة التخلف الاجتماعي، وبث الكراهية والبغضاء بين الناس على المستويين القُطري والقومي

مسؤولية الأنظمة
الأنظمة العربية جميعها عبارة عن أنظمة استبدادية شهوانية قمعية، وهي تحكم بالحديد والنار، ولا تستطيع الاستمرار في الحكم إلا أبقت الشعوب جاهلة انفعالية لا تستخدم عقولها. ونحن نعرف من التاريخ كيف يتبع المستبد دائما سياسات الكذب والتضليل، وسياسات فرق تسد من أجل أن يبقى متربعا على كرسي الحكم. هذه الأنظمة كانت تتحدث في الخمسينيات والستينيات عن الوحدة العربية في وسائل إعلامها، وكانت توهم الجماهير بأنها تسعى حثيثا نحو بناء أمة موحدة قوية كريمة، وطالما كانت تتحدث عن التقدم في مختلف مجالات الحياة. لكن من الواضح أنها كانت فقط تتساوق مع المزاج العام لجماهير الأمة، وكانت في نفس الوقت تنفذ سياسات تمزق ولا توحد، تفرق ولا توحد. وهذه حقيقة لم تكن لتخفى على الذين كانت لديهم القدرة على التحليل وربط العلاقات الجدلية المنطقية، وكان من السهل تفسيرها بناء على ماهية الأنظمة العربية والتي يمكن تصنيفها كالتالي:

1- هناك أنظمة عربية صنعها الاستعمار البريطاني، أو الغربي، عموما واقتطع لها جزءا من هذا الوطن الكبير لتبقى أداة بيده. هذه هي الأنظمة القبيلية العائلية التي لا يمكن أن تكون مع الأمة إلا بقضايا ثانوية وشكلية لأنها موجودة لخدمة الاستعمار وليس لخدمة الأمة، وإذا تناقضت مصلحة الاستعمار (ومعه إسرائيل) مع مصلحة الأمة، فالأولوية لمصلحة الاستعمار؛

2- هناك أنظمة عربية لا تستطيع صرف رواتب موظفيها نهاية الشهر إلا إذا حصلت على المعونات الشهرية من الدول الاستعمارية الغربية، أو إلا إذا قدمت لها الدول العربية الثرية بإذن من الاستعمار بعض المال، وذلك مثل الأردن والسلطة الفلسطينية واليمن ومصر إلى حد ما، وموريتانيا؛

3- هناك أنظمة عربية لا تستطيع الاستمرار بدون حماية عسكرية من الاستعمار الغربي، ومستقبلها مرهون بإرادة هذا الاستعمار ومعه إسرائيل؛

4- باقي الدول العربية التي لا تندرج تحت أي من التصنيفات أعلاه عبارة عن أنظمة استبدادية لا تصلح للوحدة والتقدم، وهي تتحول تدريجيا إلى أنظمة قبلية وراثية.

لم يكن من الممكن لهذه الظروف الموضوعية التي تحكم الأنظمة العربية إلا أن تفرز سياسات عربية معادية للأمة العربية ومن ضمنها سياسات التجهيل والإصرار على التخلف بخاصة التخلف الاجتماعي، وبث الكراهية والبغضاء بين الناس على المستويين القُطري والقومي. ولهذا ليس من المستغرب أن الأنظمة السياسية لها ضلع مباشر في اقتتال الشعبين الجزائري والمصري. النظامان المصري والجزائري فاسدان يهدران طاقات الأمة وثرواتها، ويستفردان في الحكمين، ويقصيان أصحاب الآراء المخالفة والمعارضة، ويعتقلان المعارضين ويعذبان ويقطعان الأوصال. الشعب المصري يئن من الجوع والفقر وسوء الأحوال الصحية والتعليمية، ومقابر أمواته تغص بالأحياء؛ أما الشعب الجزائري الذي من المفروض أن يكون من الشعوب الثرية ما زال يعاني من البطالة ومن سياسة التجهيل والفرنسة. النظامان مستبدان، ومجالس الشعب لا تقوم بأدوارها وأغلب أعضائها يتلقون الرشى والهبات والامتيازات الخاصة من رأس النظام، وهي عبارة عن عاهات تثقل كاهلى الشعبين المصري والجزائري. فهل من مصلحة للنظامين بإثارة الفتنة؟


كل نظام معني بتهييج الجماهير لسببين وهما: يحقق كل نظام من خلال هذا التهييج شعبية لأنه يظهر على أنه مع جماهيره ويدافع عما ينفعلون له، وبالتالي يحقق مكاسب ولو على حساب الأمة؛ والثاني هو إلهاء الشعب بالمزيد عن الفساد الذي يُمارس والذي ينهب حقوق هؤلاء المنفعلين الذين يظنون أنهم يصنعون خيرا

النظامان متورطان
(لو) كان هناك منطق، لبادر قادة النظامين، على الأقل على مستوى وزيري الخاجية إلى تطويق هذا الغباء الذي حملته الجماهير إلى الملاعب. كان من السهل جدا على رئيس مصر أن يظهر على الشاشة ليقول لشعبه إن الجزائر بلد الأحرار، وهي التي وقفت مع مصر في حرب تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973، وهي التي أمدت مصر بما احتاجته من سلاح وغذاء بعد حرب عام 1967، وإن شعب الجزائر هم أهلنا وأحبتنا، ومن ثم يقدم اعتذاره نيابة عن الشعب المصري. وكان من الممكن أن يظهر الرئيس الجزائري على الشاشة ليقول لشعبه إن مصر هي التي احتضنت الثورة الجزائرية، وإن الاعتداء الذي تم على فريق الجزائر لا يمثل إلا جهالة بعض الطائشين الذين يمكن أن يوجدوا في أي مجتمع. أو كان من الممكن أن يعتذر لمصر عما جرى في الخرطوم من اعتداء على المشجعين المصريين.

لكن ما يثبت تورط النظامين هو عملية استدعاء السفراء. إذا كان بعض الطائشين هم الذين اعتدوا، فلماذا استدعاء السفراء؟

واضح أن كل نظام معني بتهييج الجماهير لسببين وهما: يحقق كل نظام من خلال هذا التهييج شعبية لأنه يظهر على أنه مع جماهيره ويدافع عما ينفعلون له، وبالتالي يحقق مكاسب ولو على حساب الأمة؛ والثاني هو إلهاء الشعب بالمزيد عن الفساد الذي يُمارس والذي ينهب حقوق هؤلاء المنفعلين الذين يظنون أنهم يصنعون خيرا.


أجهزة المخابرات العربية معنية فقط بأمن الأنظمة العربية ولو على حساب أمن الأمة العربية، وأمن الشعب الذي تتجسس عليه.

أجهزة المخابرات أداة
هل سألك أحد يوما عن أكثر الناس إساءة للناس في الوطن العربي؟ بالنسبة لي هم رجال المخابرات ذلك لأن أجهزة المخابرات العربية معنية فقط بأمن الأنظمة العربية ولو على حساب أمن الأمة العربية، وأمن الشعب الذي تتجسس عليه. أجهزة المخابرات العربية هي العسس، هي عيون الحاكم وآذانه ومختلف أحاسيسه، وهي التي تسهر على راحة النظام واستمراره. لو سألتهم لقالوا لك إنهم يحافظون على أمن الشعب، لكنهم والله لكاذبون. هم يحافظون على أمن النظام المستبد المتخلف الذي ينهب الثروات ويهدد أمن المواطن، ويوزع بعض النعم على أعوانه، وعلى رأسهم مجندو المخابرات.

تجند الأنظمة العربية أعدادا ضخمة من ضعاف النفوس الذين لا تهمهم سوى مصالحهم الخاصة ليراقبوا الناس، وليتتبعوا أخبارهم ونشاطاتهم وعلاقاتهم، وليكتبوا التقارير حتى لو كانت ضد أمهاتهم وآبائهم، وهؤلاء هم الذين يشيعون الخوف والشك بين الناس، وهم الذين يعملون دائما على نزع الثقة بين الناس ونشر الرذيلة والمفاسد، وهم أيضا الذين يبثون الشائعات بمختلف أشكالها بهدف تضليل الناس، أو بهدف حشد دعم للنظام. هم يتلاعبون بعواطف الناس وبأحاسيسهم ومشاعرهم الوطنية والدينية من أجل تحقيق أغراض سياسية تخدم النظام.

هل صحيح أن أجهزة المخابرات المصرية التي تنتشر في كل ركن وزاوية في مصر لم تكن تعلم عن نية بعض عشاق كرة القدم المصرية الاعتداء على الفريق الجزائري؟ وهل صحيح أن المخابرات الجزائرية التي ساهمت، إلى حد كبير، بحشد أعداد كبيرة من الجزائريين للسفر إلى الخرطوم لا تعلم عن نوايا بعض المشجعين الاعتداء على المشجعين المصريين؟ من معرفتي في أجهزة المخابرات العربية، لا تخرج مثل هذه الأعمال عن أجهزة المخابرات. توعز الأجهزة لاثنين أو ثلاثة من أفرادها لصناعة حدث أرعن، ومن ثم تتبع الجماهير بخاصة أن عددا لا بأس به من الموجودين هم من أجهزة الأمن على كافة أشكالها وأنواعها. إذا كان جهاز المخابرات العربي يهتم بماذا تطبخ أم فاطمة هذا اليوم، أو على أي مقهى يجلس أبو علي، أو على أي شخص ألقى أبو خيبان التحية هذا الصباح، أو على أي جنب استرخى أبو حبطان الليلة الماضية، فألا تهتم بما يمكن أن تقوم به جماهير من الناس؟


دعوت مرارا وتكرارا المثقفين العرب للتجمع لنصبح قوة في مواجهة الأنظمة وأجهزة المخابرات، ولكي نتحرر فنبدأ مسيرتنا نحو النهوض

التضحية من أجل الحرية
إذا كنا سنهجو الأنظمة العربية وأجهزتها الأمنية فإننا لن ننتهي إذ فيها كل ما يستحق الهجاء. لكن المهم يكمن فيما نحن فاعلون. هل لدينا الاستعداد لنثأر لهذه الأمة ولكرامتنا وعزتنا، أم سنبقى هكذا نساق سوقا نحو الفتن والمصائب والهزائم ولا تتحرك فينا نخوة أو شجاعة أو شهامة؟ إذا كانت إسرائيل قوية بمثل هذه الأنظمة العربية، فهذه الأنظمة قوية بضعف جماهير الأمة العربية. واضح أننا لا نقوم بواجبنا بخاصة نحن الذين نمتلك ولو جزءا من الوعي ومعرفة الحقيقة.

أمم كثيرة ثارت ضد الظلم والاستعباد، وحققت إنجازات نحو الحرية والتحرير، أما نحن العرب فلا تكاد نعال الظلم ترتفع عن رقابنا، مع ذلك لا نحرك ساكنا. شعوب الأرض تنهض وتحقق إنجازات في مجالات الحرية والتعليم، والتغيير الاجتماعي والتطوير الثقافي، لكننا نحن العرب نرتع إما في الفقر والتخلف، أو في التمادي في الاستهلاك وكأن البطون أعز ما نملك.

لقد دعوت مرارا وتكرارا المثقفين العرب للتجمع لنصبح قوة في مواجهة الأنظمة وأجهزة المخابرات، ولكي نتحرر فنبدأ مسيرتنا نحو النهوض. يجب أن نفعل ذلك، ولا مجال أمامنا سوى التضحية من أجل الحرية، ومن لا يريد أن يضحي لا يريد أن يتحرر.

محاكمة مثيرة لقيم المصريين- فهمي هويدي

أوت 20, 2009

هاتان مفاجأتان مثيرتان. الأولى وفرت لنا شهادة خلت من المجاملة لمؤشرات السير والسلوك في المجتمع المصري. والثانية أنها -للغرابة- صدرت عن مركز تابع لمجلس الوزراء في مصر.

(1)

قليلة في مصر والعالم العربي دراسات القيم السائدة في المجتمع، ليس فقط لأننا نؤثر تضخيم الذات وليس نقدها. ولكن أيضا لأننا -خصوصا حين نتحدث عن التغيير- نتجه بأبصارنا إلى السلطة بأكثر مما نرصد واقع المجتمع. ولست أجادل في أهمية ومركزية دور السلطة خصوصا في مصر. لكنى أتحفظ على التهوين من شأن متابعة متغيرات المجتمع، بحيث لم نعد نعرف الناس مع ماذا أو ضد ماذا.

ويبدو الأمر مفارقا حين يكون هذا مبلغ علمنا، في حين نعرف الكثير عن اتجاهات الرأي العام في بلد مثل الولايات المتحدة وفرنسا وإنجلترا، بما يحيطنا علما بموقف مجتمعات تلك الدول إزاء مختلف القضايا العامة ومدى شعبية حكامها، كل أسبوع أو شهر. في حين كل ما نعرفه عن بلادنا أن “كله تمام”. وأن شعبية حكامنا في عنان السماء طوال الوقت.

في حدود علمي فإن دراسة تطور السلوكيات والقيم السائدة في مصر عمرها خمسون عاما تقريبا، وأن أول من أجرى بحثا في هذا الموضوع كان الدكتور محمد إبراهيم كاظم رحمه الله، الذي كان أستاذا بكلية التربية آنذاك. إذ أجرى بحثه وقتذاك على قيم شباب الجامعات. وبعد عشر سنوات تابع دراسته على عينة أخرى من شباب الجامعات لرصد اتجاهات التغيير في سلوكياتهم وتطلعاتهم.

وكنت قد عرضت لنتائج هذه الدراسة في حينها، لكنى لا أعرف أن أحدا اعتنى بها. وأرجح أنها انضمت إلى غيرها من الأبحاث التي تجرى ثم تحفظ في خزائن الكتب بعد ذلك. وهو ذات المصير الذي لقيته دراسات أخرى لاحقة حول الموضوع.

لأن الأمر لم يكن مأخوذا على محمل الجد من جانب الحكومة، فقد استغربت أن يتبنى مركز المعلومات ودعم القرار بمجلس الوزراء البحث الذي أعده مركز الدراسات المستقبلية حول الموضوع. واستغربت أكثر مدى الجرأة التي اتسم بها البحث، الذي حاول أن يجيب عن عدة أسئلة مثل: ماذا حدث للإنسان المصري؟ وما مواطن الخلل في سلوكه ومنظومة قيمه؟ وما السبيل إلى علاجها؟. وفهمت من مقدمته المنشورة أنه أجري في إطار الرؤية المستقبلية لمصر عام 2030، باعتبار أن نجاح تلك الرؤية يقتضى التعرف على طبيعة القيم السائدة بإيجابياتها وسلبياتها. دعك الآن مما إذا كان ذلك سيحدث أم لا. ولا تسأل عن مصير الدراسة بعد رحيل الحكومة الحالية، لأن الأهم هو أن الشهادة التي حاكت سلوك المصريين أصبحت بين أيدينا. وأن فيها ما يستحق القراءة والرصد.

(2)

في الخمسينيات سادت قيم العدالة الاجتماعية والمساواة. هذه هي الخلاصة التي انتهى إليها البحث في رصده لتطور قيم المجتمع المصري منذ منتصف القرن الماضي، مشيرا إلى أن التوسع في التعليم ساعد على إزالة الحواجز الفاصلة بين الطبقات الاجتماعية، خصوصا في ظل مجانية التعليم الجامعي التي تمت على يد الدكتور طه حسين، والتي فتحت الباب واسعا لتحسين أوضاع الطبقات الدنيا. وهذا التحسن قطع شوطا أبعد في ظل المرحلة الناصرية. التي بدأت بقيام ثورة يوليو سنة 1952. ذلك أن الخطوات الإصلاحية التي اتخذت على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، التي بدا فيها تحيز السلطة للطبقات المتوسطة والفقيرة، أدت إلى خلخلة مواقع الطبقات الاجتماعية بصورة نسبية، مما دفع بقيم العدالة الاجتماعية والمساواة إلى صدارة منظومة القيم السائدة.

تغير الحال في السبعينيات والثمانينيات. وكان ذلك في صالح الإسراع بمعدل الحراك الاجتماعي. إذا اختلفت سياسة الدولة من التقييد إلى الانفتاح. ومن التدخل في شؤون الاقتصاد إلى الانفراج والحرية. مما ساعد على بروز قيم الفردية والأنانية. (هكذا ذكر البحث). مضيفا أنه في تلك الفترة برزت قنوات أخرى ساعدت على حدة الصعود والهبوط للطبقات الاجتماعية. فظهرت الشركات الانفتاحية والبنوك الخاصة ومكاتب التصدير والاستيراد، والمكاتب الاستشارية الأجنبية. وأصبح العمل في خدمة كل ما هو أجنبي طموحا وتميزا، ليس فقط على المستوى الرسمي (من قبل الدولة) بل أيضا على مستوى الثقافة الشعبية. وهو ما أدى إلى ظهور مؤشرات للتميز الاجتماعي استصحبت اتجاها إلى استخدام لغة الأجنبي وعاداته. في الوقت ذاته زادت طموحات الأفراد، واتجهت الأنظار نحو البحث عن جميع الوسائل الشرعية وغير الشرعية للعمل في القطاع الخاص والأجنبي، الذي يدر دخلا أعلى ومكانة أرفع. مما ساعد على ظهور قيم التملق والنفاق وإحلال الولاء محل الكفاءة في العمل.

تلك المرحلة شهدت هجرات واسعة من جانب العمال والحرفيين المصريين إلى دول النفط، مما أدى إلى تراجع قيم الاستقرار وهيبة الغربة. وأسهمت الهجرات في زيادة دخول فئات كثيرة، سعت إلى تغيير مراكزها في السلم الاجتماعي، مما أدى إلى زيادة حدة الطموح الاستهلاكي. وحرص هؤلاء على إثبات التميز الاجتماعي. وساعد ذلك على ظهور المباهاة الاجتماعية والنَّهم في اقتناء الغالي والثمين. كما ساعد على بروز التعالي والأنانية حين زادت السيولة النقدية بمعدل أكبر من الزيادة في السلع والخدمات. وهو ما عمَّق ذلك من التضخم الانفتاحي الذي أدى إلى ظهور شرائح جديدة مثل: ملاك العقارات الجدد وأصحاب الملكيات الزراعية وأرباب الصناعة وتجار الجملة وأصحاب مكاتب التصدير والاستيراد.

وهؤلاء تقاطعوا مع شرائح أخرى كانت تنتمي إلى الطبقات الدنيا، مثل الحرفيين وعمال البناء والعمال الزراعيين، الذين أفادوا من ندرة العمل الناجمة عن الهجرة. هذا المناخ أسهم في ظهور الفساد بأشكاله المختلفة، وعلت قيمة الشطارة وانتهاز الفرص. وتنمية العلاقات الشخصية بأصحاب النفوذ. وهانت فضائل احترام الكلمة والتمسك بالكرامة الشخصية، وظهور أنواع جديدة من الجرائم كانهيار العمارات حديثة البناء وشيوع الرشوة وقتل الوالدين.. إلخ.

هذا المعدل غير المسبوق في الحراك الاجتماعي أحدث تقلبات عنيفة في المركز النسبي للطبقات، كما أحدث خللا في القيم السائدة تجلى فيما يلي: انتشار الرموز التي تدل على الصعود الطبقي “المظهرية”، الاندفاع في الاستهلاك، انتشار الاستثمار غير المنتج الأسرع في العائد والأقل في المخاطرة، التهرب من الضرائب لعدم الثقة في أداء السلطة، ضعف التمسك بالأخلاق، وتقدم قيم الشطارة والفهلوة واهتبال الفرص، تفكك روابط الأسرة بسبب الحرص على الكسب السريع وتنامي التطلعات الطبقية، ذيوع التغريب والتعلق بما هو أجنبي في المظهر والسلوك تغير المناخ الثقافي وتدهور لغة الخطاب التي دخلت عليها العامية المبتذلة، والمفردات الإنجليزية.

(3)

بهذه الهيئة المثيرة للقلق والرثاء، دخل المواطن المصري في حقبة التسعينيات، التي رصد فيها البحث متغيرات في القيم والسلوك أختزلها فيما يلي:

* انتفاء قيمة الخير والحب. إذ أصبح الخير والسعي إليه والعمل على تحقيقه سواء للذات أو للآخرين من الأمور النادرة. وكأنه أصبح معقودا على الذات فقط. فكل شخص يتمنى الخير لنفسه ولذويه فقط. فإذا كان بمقدوره أن يساعد الآخرين فيه ويوفره لهم، ضن به وبخل عن تقديمه حتى لا ينعم الآخرون به.

* تراجع قيمة الإحساس بالأمان والطمأنينة. ففي عهد عبد الناصر كان ميل المصري للطمأنينة قويا، لاعتماده على شخصه وعلى الدولة التي وفرت له كل شيء. وفي عهد السادات بدأ القلق والاكتئاب يتسربان إليه. واستمر ذلك خلال الثمانينيات والتسعينيات وحتى اليوم. إلى أن لوحظ أن المصري أصبح مسكونا بالانفعالات المختفية تحت بعض الصمت والسكينة، الأمر الذي يعبر عنه بالمجاملة حينا وبالنفاق حينا آخر. وانتهى الأمر به أن هرب إلى الغيبيات. حيث الطمأنينة المزيفة، وامتزجت عنده روح الفكاهة بالاكتئاب. حتى أصبحت الفكاهة تعبيرا عن المرارة والسخرية وليس عن المرح.

* انتفاء قيمة العدالة. فعلا شأن لاعبي الكرة والفنانين، في حين تراجعت حظوظ المفكرين والعلماء، وغابت العدالة الوظيفية بسبب المحسوبية، والعدالة السياسية جراء تزوير الانتخابات، والعدالة الاقتصادية بسبب الرشوة والفساد، والعدالة الاجتماعية بسبب تصعيد المنافقين والمؤيدين وكتاب السلطة. ومن ثم باتت قيم النفاق والوصولية والنفعية والتواكل والصعود على أكتاف الآخرين هي الصفات الغالبة. وغدا التفاني في العمل أو العلم والابتكار وتعليم الأجيال من الأمور غير المرحب بها.

تراجع القدوة. إذ أصبح الناس يفتقدون النموذج الذي يقتدون به، خصوصا في ظل انتشار أخبار فساد أصحاب المناصب العليا والزعماء السياسيين والروحيين، ولأن المصري مرتبط منذ عصور الفراعنة بفكرة الشخصية «الكاريزمية» الموحية والمؤثرة، فإن شيوع تلك النماذج كان له تأثيره السلبي المباشر على قيم الأجيال الجديدة.

* تراجعت قيم العلم وازداد احتقار اللغة، كما تراجع التفكير العلمي، ومعهما تراجعت قيمة العمل، الذي أصبح مقصورا إما على أصحاب الواسطة أو خريجي الجامعات الأجنبية. وإزاء انتشار الفساد تراجعت قيمة الأمانة وشاع التسيب واللامبالاة.

* تراجعت قيمة الأسرة التي أصبحت تواجه خطر التفكك، في ظل غياب التراحم، وزيادة مؤشرات الفردية والأنانية والاستغراق في المظهرية والتطلعات الشخصية.

* تراجع قيمة الانتماء للوطن، إذ أصبح المواطن المصري جزيرة منعزلة مستقلة عن الوطن، يشعر بوحدة غريبة، وانكفاء على الذات. وذلك نتيجة لإقصائه عن أي مشاركة، إضافة إلى أنه لم يعد يشعر بأن الدولة تحتضنه وترعاه. ولذلك لم يعد غريبا أن تتزايد معدلات الهجرة إلى الخارج، وأن يغامر الشباب بالتسلل عبر الحدود والتعرض لمخاطر ركوب البحر واحتمالات الغرق، لكي يصلوا إلى الشواطئ الأوروبية التي يحلمون بأن يحققوا بعض أحلامهم على ضفافها.

(4)

في الدراسة كلام آخر عن التحولات التي طرأت على الشخصية المصرية خلال العقود الأخيرة، بسبب التحولات الجذرية التي طرأت على بنية المجتمع. فأصبحت أكثر سلبية وعدوانية، وصارت أقل ثقة بالنفس وأكثر اعتمادا على الآخرين. ولجأت إلى تضخيم الذات والمبالغة في التعبير عن المشاعر. كما تميزت بالتمركز حول الذات وعدم المثابرة، مع الاستسلام للحماس المؤقت والانفعال وردود الأفعال.

أيا كان رأيك في هذا الكلام، فلا بد أن تقدر شجاعة الباحثين الذين أعدوا الدراسة ولم يترددوا في نقد الذات وتسليط الأضواء على عيوب المجتمع بغير مجاملة أو تسويف.

الملاحظة الأخرى المهمة أن مؤشرات الدراسة تعطي انطباعا قويا بأن منظومة القيمة في المجتمع المصري تتدهور حينا بعد حين، الأمر الذي يجعل شعار الحزب الوطني في مؤتمره الأخير “مصر بتتقدم بينا” بمثابة شائعة كاذبة فضحتها الدراسة.

أما ملاحظتي الأخيرة فهي أن بعض المثقفين كانوا يتندرون قائلين إن تغيير الشعوب في العالم العربي أصعب من تغيير الأنظمة والحكومات. والتقرير أثبت أن هذه المقولة لم تعد مزحة، وإنما صارت حقيقة ماثلة أكدتها شهادات توزعت على 160 صفحة بالتمام والكمال.

لقد تغيرنا كما رأيت خلال العقود الثلاثة الأخيرة، ولكن نظامنا حماه الله لا يزال ثابت القدم. لم يتغير فيه شيء. لا في شخوصه ولا في عقليته أو أساليبه. وإزاء إصرار الحزب الحاكم على أننا “نتقدم” فلا أعرف كيف يمكن أن نقنع قيادته بأننا لم نعد نحتمل مزيدا من هذا التقدم، حتى صرنا نحلم بيوم نذوق فيه طعم التخلف!.

http://www.aljazeera.net/NR/exeres/C993E4EC-A78E-4B02-AA57-8C6846235328.htm

بيت الكرم

أوت 11, 2009

بقلم أ / بخيت خليفة

بعد مرور أكثر من نصف قرن على إقامتنا بشارعنا.. والذي يشق بيوت العائلة.. مرة واحدة انتبهت الأسر كلها إلى أن الشارع ضاق بالسكان.. وليس الشارع فقط بل البيوت أيضاً.

فلا مكان في الشارع تجلس فيه كما كنا في الماضي.. ولا مجال أيضاً للهدوء من الأصوات المتداخلة.. ضوضاء السيارات.. صخب الأطفال..  تمعنت في الأمر فإذا هي حقيقة مفزعة.

فالأحفاد من عقود هم الآن الأجداد.. وتضاعفت الأعداد.

كان هذا هو الدافع لأن يفكر الجميع في الانتقال إلى مكان أرحب وأوسع، لم يكن أمامهم إلا الذهاب إلى أطراف القرية.. حيث يمتلك الجميع أراض ٍ زراعية متاخمة للقرية.

وبالفعل بدأت كل أسرة ببناء بيت جديد لها.. بل كان هناك من بني بيتين وثلاثة.. فهذا للأبناء وذلك للأحفاد.. وكان اتساع الرقعة الزراعية تحت أقدامنا مدعاة للتوسع.. فبدأ كل بيت يترك مساحة خالية أمام البيت للمناسبات.. وربما للمنظرة والتباهي.

ثم تنافسنا في البناء والرفع للأدوار العليا.. وبعد الانتهاء تبارينا في إظهار الكرم بعمل الولائم والمعزومات.. وكان معظمها للأسف بدافع  الفخر وخلافه.

كان في المقابل لنا وبمسافة غير بعيدة.. رجل فقير استطاع أن يدخر من قوت يومه ومن أجرته كعامل تراحيل مبلغا ً من المال ليشترى بضعة أمتار ليسكن فيها بعدما ضاق عليه بيت أبيه الفقير ولم يجد له موضع قدم.

وبعد شهور تمكن من بنائه بالطوب الحجري الأبيض.. وكان سقف البيت من أعواد الذرة اليابسة والتي أعطاها له أحد الفلاحين صدقة عليه وعلى غنمه التي كادت أن تحرقها الشمس.

وكان موفقا أيضا ً بالزواج من بنت فقيرة.. تكافئه في نفس الظروف لكنها كانت من الرضا والحمد بمكان.

وبعد سنوات قليلة رزق بالأبناء الذين ملأوا الأمتار المتبقية في البيت.. لكنه رغم الفقر كان ينام سعيداً.. ويقوم كل صباح يحمل فأسه جالسا منتظرا من ينادى عليه للعمل معه في الأرض أو في المباني.

كان بيته المتواضع لا يكاد يظهر من بيوتنا العالية والواسعة.. وكذلك شخصه غير معروف بيننا بأحكام الدنيا السائرة والأعراف الظاهرة بأن الناس يوزنون بالدرهم والدينار.. وما أظلمه من ميزان.

كما أنه لا يعرف المجالس الفخمة، ولا الكلمات المنمقة ولا يجد وقتا من فرط العناء.

وفى يوم من الأيام جمعت مناسبة سارة كثيرا ً من الأقارب والأصدقاء، وبعد تناول وجبة الغذاء الفخمة.. أخذنا نتبادل الأحاديث والقفشات والضحكات.. حتى ألقيت نظرة عابرة في ساعتي فقمت منزعجا ً مهرولا ً للخارج.

فلقد نسيت أنى رأيت في الصباح رجلاً غريباً، جاء يعمل بجوارنا في الحديقة القريبة.. وكان يعمل في تقليم وتهذيب الأشجار.. فعزمت في نفسي عندما رأيته حينئذ أن أقوم معه بواجب الضيافة.. وتقديم الماء البارد  في الحرارة.. والغذاء مع الظهيرة.

كان انزعاجي أن الساعة عبرت الثالثة بعد الظهر ولم أقدم حتى الماء للرجل.. ولقد خجلت من نفسي ووبختها.. وقررت أن أذهب إليه بالماء وأعلمه أنى قادم بالغداء.. وما أن وصلت حتى ذهلت.. فقد رأيت جارنا الفقير قد سبقني وسبق كل الأثرياء من حولي بالكرم.

رأيته جالسا مع الرجل العامل الغريب.. وقدم له الماء من فخاره.. وطعاماً متواضعاً من بيته.. وجلس معه يتجاذب أطراف الحديث.. وزوجته قادمة إليهما بالشاي.

وقفت متسمراً في الأرض شارد الذهن.. ولم أنتبه إلى أصواتهما وهما يناديان بالعزومة على بالطعام والشاي. وبعد لحظات أفقت من شرودي ، وقلت لهما شكرا جزيلا،..

كانت لحظات الشرود قليلة.. ولكنها في نفسي وكأنها محاضرة طويلة ، كنت أقلب بصري بين بيوتنا العالية ، وبيت الرجل الفقير المتواضع..

واستدرت منصرفا أتمتم بالمثل العامي

” بيت الكرم محترم ولو كان دور واحد”

 

http://www.egyig.com/Public/articles/story/11/49986019.shtml

هل سيكون الانفجار الشعبي سبيل التغيير؟

أوت 10, 2009

بقلم راشد الغنوشي

مما غدت تعرف به المنطقة العربية أنها وضع استثنائي في موازين الحكم الديمقراطي الذي اجتاحت رياحه كل القارات وبالخصوص بعد انهيار المعسكر السوفيتي حتى أدرج هذا الاستعصاء الديمقراطي هنا في عداد الحتميات وقوانين الكون، ونسب ذلك إلى الإعاقة التي رسخها الإسلام في الموروث الثقافي!، استنادا إلى حجة الواقع، حيث ظل مسار الديمقراطية هنا لا يكاد يتقدم خطوة حتى يتراجع خطوات ضد اتجاه سير العالم، فما الاسباب والعلاج لهذه الإعاقة؟

1- تعدّ التنمية السياسية -التي هي قيام النظم السياسية على أساس مبدأ المواطنة وما يقتضيه من مساواة، وعلى أساس حكم القانون وعلويته، وعلى المشاركة بديلا عن الانفراد، وعلى احترام حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني ومبادئ العدالة واستقلال القضاء وتداول السلطة عبر انتخابات تعددية دورية نزيهة واحترام حقوق الأقليات والنساء، وخلاصة ذلك قيام الحكم الرشيد، الحكم الديمقراطي- أساس التقدم وعنوانه في هذا العصر.

وكما أنه لا توجد جامعة عربية من بين الجامعات الخمسمائة الأولى في العالم، لا يوجد نظام عربي واحد مندرجا ضمن أكثر من مائة نظام ديمقراطي في العالم. هذه واقعة.

2- لقد فشلت كل محاولات ربط هذا الاستثناء العربي بمستوى معين من تدني متوسط الدخل الفردي العربي أو بمستوى التعليم، وذلك بوجود نظم في أفريقيا وغيرها أشد تأخرا، ولم يعقها ذلك عن إقامة نظم ديمقراطية حققت تداول السلطة سلميا عبر انتخابات تعددية نزيهة، ومنها دول تدين بالإسلام مثل السنغال وغامبيا.. وهو ما يعفي الإسلام من تهمة التسبب في نشر السحابة الدكتاتورية السوداء التي تخيم على بلاد العرب، رغم أن حكام الجور حاولوا من قديم التخفي والتسربل بالإسلام لتسويغ تألّههم وتعطيلهم لنظام الشورى بدءًا بالأمويين مدعين أن أيلولة السلطة لهم لم تكن بمكرهم، وإنما بقدر إلهي كوني!، ولكن الأمة لم تصدق فريتهم ولا خلفاءهم وظل السيف مشهرا في وجوههم كلما أمكن ذلك، بعد أن فشل الفقهاء في تطوير مبدأ الشورى إلى نظام سياسي، بآليات إجرائية محددة، تؤثم تارك الشورى أشد من تارك الصلاة، المهمة التي أنجزها التقدم الغربي عبر آليات الديمقراطية، وتجهّمها بعضنا تجهّم المريض للدواء.

إن دينا يجعل محوره عقيدة التوحيد والكفر بالطاغوت “فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى” 2/255، ويشن حربا لا هوادة فيها على الفراعين والقوارين ويجعل الجهاد ضدهم سنام تعاليمه ويحرض أهله على تحرير المستضعفين ويجعل نيل الشهادة أسمى أماني أهله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أساس الخيرية فيهم، من العسف أن تنسب له أي تبعة في قيام دكتاتوريات أو استمرارها.

3- معنى ذلك أنه ينبغي البحث عن أسباب هذه الإعاقة والإفلاس في تحدي رهان التقدم: بناء نظام ديمقراطي، خارج مشجب الثقافة وما في الرؤوس من فكر وقيم، مظان البحث كامنة في الواقع الدولي والمحلي:

أ- هناك إعاقة خارجية تتمثل في وجود ميزان قوة عسكري واقتصادي وإعلامي مائل منذ مائتي سنة في الأقل لصالح أعداء أمتنا، يحول بينها وبين تحقيق طموحاتها النهضوية في التوحد والنهوض. لقد مزقوا صفها وأقاموا أساطيلهم وحكاما تابعين معزولين عن شعوبهم حراسا لتلك التجزئة والأوضاع المهينة. ومن ذلك غرزهم في القلب، الخنجر الإسرائيلي.

إن استمرار هذه التجزئة وهذا النهب لمواردنا كاستمرار هذه النظم الدكتاتورية المعزولة عن شعوبها واستمرار الكيان الصهيوني وتوسعه وغطرسته، وكل ذلك ضد إرادة شعوبنا، مرتهن باستمرار استبعاد شعوبنا من الحكم. وما حدث في فلسطين من فرض الحصار على حكومة حماس المنتخبة بشهادة كل العالم ومن قبل ذلك، رفض انتخابات الجزائر ودفع ذلك البلد الكبير إلى الدمار، وحصل الأمر نفسه في تونس بدعم مطلق من النظام الدولي، شاهد على حقيقة العائق الغربي في طريق دمقرطة المنطقة العربية. بينما أقدار من الديمقراطية مسموح بها خارج هذه الساحة ساحة الصراع العربي الإسرائيلي مثل تركيا، وهو ما يفرض أن يكون طريق الديمقراطية في هذه المنطقة يمر ضرورة بتحرير فلسطين والتحرر من النفوذ الغربي.

إذا كانت الديمقراطية في شرق أوروبا أتت بأنظمة شديدة التبعية للولايات المتحدة، فإن الديمقراطية في بلاد العرب ستأتي بأنظمة على رأس أولوياتها تحرير فلسطين وتوحيد المنطقة وتوظيف ثرواتها لصالح أهلها.

الديمقراطية في فلسطين أتت بحماس وفي الجزائر بالجبهة وفي مصر لن تأتي بغير الإخوان بما يمثل تهديدا حقيقيا لما يعتبر حتى الآن مصالح غربية مطلقة على رأسها أمن إسرائيل ونهب الثروات وحراسة التجزئة
ب- أما الإعاقة الداخلية فتتمثل في تمزق عالم النخب، بأثر ما خلفه الغزو الغربي من أفكار وتيارات وبأثر مواريث ثقافة الملل والنحل والتشظي الفرقي والمذهبي وهو ما ذهب بالإجماع الضروري لكل اجتماع.. عالم النخبة ممزق بين إسلاميين وعلمانيين وبين إصلاحيين وتقليديين وبين سلفيين وصوفيين وسنة وشيعة.. بينما التحول الديمقراطي يشترط ولا بد عملا فكريا وسياسيا يعيد الإجماع الغائب إلى عالم النخبة حتى تتشكل منها ما سماه بعض الفلاسفة بالكتلة التاريخية التي تقود مشاريع نهوض الأمة، وفي مقدمتها تحرير إرادتها من التسلط الأجنبي وعملائه المحليين وتضعها على طريق التوحد والنهوض.

وليس ذلك بعسير إذا تراضى الجميع على الإسلام والعروبة والحرية للجميع ومبدأ المواطنة أساسا لاستعادة الإجماع وبناء الجماعة السياسية والكتلة التاريخية التي تتحرر من أي نزوعات الوصاية والتعالي على الناس وإغراءات الإقصاء والتسلط وتجعل هدفها الأعلى التصدي للاحتلال وللتجزئة وللنفوذ الخارجي وللاستبداد، بسطا للعدل وللحرية. ويمكن في هذا الصدد اعتبار “اللقاء المشترك” في اليمن نموذجا يعبر عن حكمة يمنية معتبرة، جامعا بين أوسع مكونات الاجتماع اليمني.

4- لقد جربت في المنطقة كل أساليب العلاج لداء الاستبداد الراسخة تقاليده، فما أجدى شيء منها. فقد أحكمت الأنظمة القائمة إيصاد كل سبل التغيير: السلمي منها والعنيف، فزيفت الانتخابات والتعددية وأفرغتهما من كل محتوى تداولي للسلطة . وحتى في الحالات القليلة التي سمح فيها للمعارضة بما فيها الإسلامية بالحصول على بضعة مقاعد في المجالس النيابية، وحتى بالمنّ عليها ببعض الوزارات، لم يغير ذلك شيئا من جملة السياسات الاقتصادية والثقافية والخارجية، بل تعذر أحيانا على الكتلة الإسلامية في مجلس الشعب المصري حتى السماح لها بمجرد إدراج بعض المسائل المهمة ضمن جدول الأعمال لمجرد المناقشة، بل تم تمرير سياسات نكوصية عن برنامج التعريب القائم في ظل مشاركة إسلاميين في السلطتين التشريعية والتنفيذية في الجزائر، بما طرح السؤال: هل المشاركة البرلمانية وحتى التنفيذية هي في كل الأحوال سبيل للتغيير أم أنها تغدو أحيانا عقبة أخرى في طريقه وتقديم مزيد من المسوغات لاستمرار الواقع الذي يزداد تعفنا؟

5- أما سبيل التغيير عن طريق الأعمال المسلحة فإنه رغم إغراءاته بالتغيير السريع فإن جملة حصاده خلال ربع القرن الأخير -على الأقل- كارثية، لدرجة أن الأنظمة غدت تنسج على منواله لتشويه صورة خصومها ولتسويغ استمرار قوانين الطوارئ وتحكم رجال الأمن وتكميم الأفواه وكبح كل دعوة للإصلاح بذريعة التصدي للإرهاب. لقد نجحت الأنظمة في قمع التمردات المسلحة ولم تترك أمامها غير سبيل التوبة والاستسلام.

– أما التغيير عبر مؤسسات المجتمع المدني فقد تمكنت أنظمة القمع والنفاق أيضا إلى حد بعيد من العبث به، غير مترددة في هش عصاها في وجه تلك المؤسسات وحتى ضربها على نافوخها للإجهاز عليها أو لإصابتها بشلل دائم، كما فعلت سلطة البوليس مع الحركة الطلابية في تونس ومع أعرق وأقوى منظمة نقابية، عن طريق إغواء قطاع من النخبة الانتهازية، وقريب من ذلك حصل في المغرب.

وأنكى من ذلك ما عمدت إليه أنظمة القمع في زمن صعود شعار منظمات المجتمع المدني من النسج على نفس المنوال بالإيعاز إلى زبائنها ببعث مئات بل آلاف من الجمعيات الموازية لحقوق الإنسان وأخرى للبيئة وللطفولة ولكل شيء، بما ملأ الساحة وفاض.

7- أما الضغوط الخارجية من أجل حمل أنظمة القمع والانفراد على الانفتاح فقد نجحت في مقايضتها بالمزيد من التنازلات للخارج عما تبقى من الاستقلال كالاستعداد للتطبيع مع الصهاينة، أضمن وأقصر طريق إلى القلب الغربي. وبالأمس القريب وصف الرئيس الفرنسي نظاما بوليسيا غاشما في شمال أفريقيا بالمبدع في الحداثة والتصدي للأصولية. أما أوباما فقد طمأن الأنظمة الدكتاتورية جاعلا أولويته استقرارها مقابل إقدامها على خطوات تطبيعية ومشاركتها في الضغط على إيران لتطويعها أو تدميرها. فماذا يبقى من أمل في التغيير الديمقراطي بعد كل ذلك؟

8- ليس في ذلك ما يبعث على اليأس، فاليأس ضرب من الكفر “إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون” يوسف. وفي الحديث “ما خلق الله داء إلا وخلق له دواء”، والاستبداد ولا شك أفدح البلاء وأشد الداء على أمة محمد عليه الصلاة والسلام الذي كان من أعظم مقاصد رسالته رفع الآصار والأغلال عن البشرية “ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم” 7/156.

وإذا كان الإسلام صالحا لكل زمان ومكان وهو كذلك، وإذا كان قد جعل عنوان رسالته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمعنى عمارة الأرض بالحق والعدل وتطهيرها من الظلم والعدوان، والجهاد بكل أنواعه السياسي والإعلامي والاقتصادي والقتالي والتربوي السبيل لإقامة الحق، كلاّ في موضعه، بدءا بالأيسر فالأيسر، فالواجب على دعاة الإسلام وعلمائه ومفكريه أن يتفكروا في حصائل تجارب التغيير وبالخصوص في زمننا ليستخرجوا من قصصها العبرة. وهي تتلخص فيما يلي:

أ- إنه لئن أثبت الجهاد القتالي في تجاربنا الحديثة فعالية كبرى في التصدي للاحتلال الأجنبي فتحرر عالم الإسلام من رجس الجيوش الأجنبية عدا مواطن قليلة تتلقى ضربات المجاهدين، فقد كان فشله في معالجة آفة الاستبداد والظلم ذريعا بل كارثيا، بما يفرض وبخاصة في ظل التوازنات الدولية القائمة سد هذا الباب، قولا واحدا، ولذلك أحسنت صنعا الجماعات الإسلامية التي أقدمت على مراجعة فكرها وخططها فأعرضت عن الجهاد القتالي سبيلا للتغيير، فالعودة إلى الحق خير من التمادي في الباطل.

إنه بقدر ما كان الجهاد في التصدي للاحتلال مثمرا مباركا بقدر ما كان كارثيا على المسلمين وعلى صورة الإسلام ودعاته في العالم، إذ استخدم في غير موضعه، سبيلا لتغيير الأنظمة أو لإعلان حرب شاملة على العالم، كما تفعل جماعات القاعدة.

ب- وقريب منه سبيل الانقلابات العسكرية فلم يكن حصادها أقل مرارة من سبيل جماعات العنف. ويمكن القول باطمئنان إن وضع العالم العربي قبل موسم الانقلابات في الخمسينيات والستينيات، كان أقل سوءا مما آل إليه في ظلها. ولقد أحسن شعب موريتانيا صنعا إذ تصدى لانقلابين خلال سنتين فارضا على القائمين بهما التنازل عن السلطة لصالح الشعب، ورفض تخويلهم أي شرعية حتى يعيدوا الأمانة إلى الشعب صاحبها. وهو درس مهم ينبغي أن يظل حاضرا باستمرار للتعامل مع أي انقلابي: تتكتل قوى المعارضة في مواجهته وتعلن عدم شرعيته حتى ينزل عند حكم الشعب.

ج -إن سبيل المشاركة السياسية في ظل الأنظمة السلطوية القائمة سواء في مستوى المجالس النيابية أو في المستوى الحكومي لئن ضمن للمعارضة إسلامية أو غيرها حق البقاء ونأى بها عن المواجهة وأفسح أمامها بعض فرص العمل الدعوي، فليس دائما هو السبيل لتحقيق الأهداف العليا في التغيير والإصلاح الشامل الذي تتطلبه أوضاع قائمة تغلغل فسادها حتى النخاع، بل قد تكون المشاركة في ظل مثل هذه الأوضاع ليست في المحصلة سوى مشاركة في الغنيمة وضرب من التخدير وعقبة أخرى في طريق التغيير، دعما لواقع الظلم والتسلط على الجماهير ونهب الثروات والتفريط فيما تبقى من استقلال، بل قد ينتهي إلى تمييع المعارضة ومنها الإسلامية وتحويلها من قوة تغيير إلى عامل تخدير، فتنفصل عن الجماهير لتتحول جماعة مصالح دنيوية فينفرط عقدها تنازعا حول منافع الدنيا وتنافسا على التقرب من المستبد عودا إلى قصة فقيه السلطان، كما أخذ يبرز مع بعض التجارب الإسلامية في المشاركة.

9- تظل هناك أبواب كثيرة للتغيير مفتوحة لعل أهمها التغيير عن طريق العمل الشعبي الجماهيري، ومن أبرز عناوينه العصيان المدني، وهو درجة من درجات النهي عن المنكر: المقاطعة، وكانت المسيرة التي قامت بها المجموعة الإسلامية الأولى، صفين قاد أحدهما حمزة والثاني عمر، في اتجاه الكعبة سابقة مهمة. ويندرج في هذا كل عمل يتجه إلى الإنسان بالتوعية لإخراجه من خويصة ذاته وتجديد الأمل والثقة في إمكاناته الذاتية وتربيته على العمل الجماعي ومقاومة الظلم عبر كل الطرق السلمية من الكلمة والمنشور والإضراب والتظاهر والمقاطعة.. غيث تتجمع قطراته لتتحول مجرى عظيما تقوده تجمعات وجبهات تبلور شعاراته وأهدافه، بما يضطر الاستبداد إلى الاستجابة لمطالبه أو يجرفه التيار.

ومن هذا الطريق جاءت التحولات الديمقراطية التي حصلت خلال ربع القرن الأخير في أوروبا الشرقية ومواطن كثيرة.. وإرهاصات ذلك قائمة في أكثر من بلد عربي بأثر سياسات النهب المحلية والدولية على شعوبنا، وبأثر تصاعد الغضب على تخاذل الحكام إزاء قضية الأمة المركزية قضية فلسطين والاستسلام للمخططات الصهيونية الغربية، فجاءت بأثر كل ذلك التحركات الشعبية السنة الماضية، من سيدي إفني بالمغرب، وهو ميناء لتصدير الأسماك، بينما أهله محرومون من الضروريات.. إلى انتفاضات في أكثر من مدينة جزائرية احتجاجا على أوضاع اجتماعية مهينة في بلد يفيض بالخيرات.. إلى انتفاضة حوض المناجم في تونس التي مثلت أكبر وأطول انتفاضة في أي منطقة تونسية، حيث تصدر ثروة الفوسفات إلى العالم بينما تفشو البطالة ويتسع الفقر في أبناء المنطقة لدرجة لجوء عشائر إلى الهجرة الجماعية إلى الجزائر وقد عضتهم المسغبة.. إلى أحداث المحلة الكبرى وغيرها في مصر حيث بلغ عجز النظام ونهب ثروات البلد الطائلة من قبل حكومة رجال الأعمال درجة سقوط ضحايا أمام المخابز.. إلى أحداث الجنوب اليمني احتجاجا على ما تعرضت له منطقتهم من نهب حيث ساد منطق الغنيمة عقب سقوط حكم الانفصال، فضلا عن الانتفاضة المسلحة في الشمال، بما عرّض استمرار الكيان الأمني ذاته للخطر وفتحه أمام ذوي الأطماع.

10- المسألة الاجتماعية، مضافة إليها المسألة الفلسطينية، عاملان أساسيان ورافعتان مهمتان للتغيير، مرشّح أثرهما ليتضاعف أمام تصاعد وتيرة النهب الدولي وشركائه المحليين وانعكاسات الأزمة الاقتصادية الدولية وإمعان المشروع الصهيوني في مخططاته التهاما لما تبقى من فلسطين وتصفية القضية جملة. فرص كثيرة للتغيير في الآفاق ربما لا تتكرر، يضعها القدر بين يدي قوى التغيير، يعين عليها وضع دولي مهتز مرهق بمعالجة أزماته الخانقة، فهل من لاقط؟

المصدر: الجزيرة

البنية التحتية

أوت 10, 2009

فتح الصحفي المصري البارز خالد صلاح رئيس تحرير جريدة اليوم السابع – وهي من الجرائد الخاصة التي تحتل الان مرتبة متقدمة في الصحافة المصرية – النار على هشام طلعت مصطفى من خلال تناوله كنموذج لرجال الاعمال المصريين الذين نهبوا البلد تحت شعار ( البنية التحتية ) وجاء هذا في وقت اتهمت فيه اسرة سعاد حسني محسن السكري بقتل سعاد حسني التي قيل انها كانت تعد لنشر مذكراتها وفيها حديث عن هشام طلعت مصطفى … وقد ورد ذكر سعاد حسني في التعليمات التي ادلى بها مصطفى للسكري عبر الهاتف

وتردد في القاهرة ان المحامية برلنتي عبدالحميد تقدمت ببلاغ للنائب العام اتهمت فيه محسن منير السكري بقتل سعاد حسني في لندن وقدمت في بلاغها ادلة ومتندات ووثائق منها ان السكري كان في لندن عندما قتلت سعاد حسني

وكان خالد صلاح قد كتب مقالا في جريدة اليوم السابع بعنوان كذبوا علينا فى كل عصر وكذبوا علينا فى كل مشروع جديد.. أزهى عصور البنية التحتية فى زمن هشام طلعت مصطفى جاء فيه :شربت مصر مقلبا كبيرا حين صدّقت لأكثر من عشرين عاما، أنه لا صوت يعلو فوق صوت البنية التحتية، كنا نسأل الحكومات المتعاقبة منذ عصر الدكتور عاطف صدقى: أين ما تتلقاه الدولة من مليارات المعونات الأجنبية؟ ولماذا لا يشعر بها الناس، أو تنعكس على حياتهم اليومية رخاء ورفاهية؟ وكنا نسأل: أين تنفق السلطة دخل قناة السويس وعائدات النفط وأموال الضرائب؟ ولصالح من تصب ثمار التشريعات المحفزة على الاستثمار الأجنبى، والتوسع فى التسهيلات لصالح المدن الصناعية الجديدة، وعائدات إعادة الهيكلة وبيع القطاع العام

كانت الإجابة الدائمة التى تجرى على ألسنة رؤساء وزارات مصر بلا انقطاع، أن الدولة تتصدى لمشروعات البنية التحتية من طرق وكبارٍ وشبكات كهرباء وشبكات للمياه والصرف الصحى، وهى مشروعات تلتهم مليارات المعونات، وتنقض على كل مليم فى الموازنة العامة للدولة، هذه الإجابة بحد ذاتها كانت هى عين هذا المقلب الكبير الذى شربناه جميعا، فلا طلنا أموال المعونات، أو عوائد النفط والقناة، ولا حصّلنا الحد الأدنى من مشروعات البنية التحتية فى كل قرى ومدن مصر.اليوم وبعد كل سنوات ربط الأحزمة على البطون باسم مشروعات البنية التحتية، يجتاح التيفود قرى القليوبية لخلل فى مواسير الصرف، دفع الناس للشرب من المياه الملوثة، واليوم أيضا يموت أطفال المطرية فى مستشفى عام، نتيجة انقطاع الكهرباء فى قلب القاهرة، واليوم أيضا يحاصر العطش الأراضى الزراعية فى عدد من قرى الفيوم والدقهلية لخلل فى منظومة الرى فى المحافظات، واليوم تغرق 5 محافظات فى جنوب مصر فى ظلام دامس لأعطال شبكات الكهرباء، واليوم لا تزال عشرات الآلاف من الكيلومترات للطرق غير ممهدة، وحتى الطرق المرصوفة تعانى من سوء التخطيط والتنفيذ إلى الحد الذى يجعل منها معابر للموت عبر عشرات الحوادث الدامية يوميا

واليوم لاتزال قرى على شريط الوادى تحيا بلا كهرباء أو مياه، ولا تزال قرى على ساحل البحر الأبيض المتوسط، تحيا بلا مياه، وتتسول الشرب من مراكز المدن أو بالطلمبات الحبشية أو عبر (تنكات) نقل المياه بين الأقاليم، واليوم لا تخلو قرية أو مدينة مصرية من مشكلة فى المياه، أو الصرف الصحى، أو الكهرباء، أو الطرق، تلك القطاعات التى كان يجب علينا أن نعيش عصر ازدهارها المتألق بعد أكثر من عشرين عاما من شعارات البنية التحتية الأساسية فى مصر.مهزلة البنية التحتية ليست مقصورة على هذه القطاعات فحسب، لكنهم قالوا لنا أيضا، إنهم ينفقون هذه الأموال على إنشاء المستشفيات، والمدارس، وإمداد مؤسسات الرعاية الصحية والتعليمية بالمعدات اللازمة لإنتاج جيل شاب واعد ومتعلم، سوىّ البنية، كامل البنيان الصحى، ثم نحن ننظر من حولنا فلا نرى مستشفى عاما واحدا إلا ويعانى من نقص فى عدد الأسرّة، وفقر فى الخدمات الطبية، وعدم كفاية فى كميات الأدوية المتاحة للمرضى فى جميع المؤسسات الطبية العامة

أما مستشفيات المحافظات، ففيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت من أزمات تعصف بأرواح المرضى، وتضيق فيها الأرض بما رحبت على كل من يقصدها للعلاج، فلا الحكومة استطاعت أن تبنى مستشفيات جديدة لمضاعفة عدد الأسرّة لخدمة المرضى، ولا نجحت فى أن تحافظ على مستوى الخدمات الطبية المقدمة فى المستشفيات، ولا وفرت للمرضى علاجا لائقا. كل شىء من حولنا ينطق بفقر البنية التحتية المصرية، فى الطرق الترابية أو المرصوفة، فى السكك الحديدية، فى شبكات الصرف والمياه، فى الكهرباء، فى مياه الرى، فى المستشفيات العامة، فى المدارس والجامعات.. ثم لا يشعر أحد بالخجل حين يتحدث عن أزهى عصور البنية الأساسية والمشروعات التحتية فى مصر.هؤلاء الذين أنفقوا الأموال على مشروعات البنية التحتية فى هذه الحكومة الحالية برئاسة الدكتور نظيف، أو فى الحكومات السابقة برئاساتها المختلفة، يتحملون إثم ما جرى أمام الله ثم أمام الناس، هؤلاء الذين أداروا أموال هذا البلد لسنوات ممتدة بناتجه القومى أو بالمعونات المتدفقة عليه من الخارج، يتحملون وزر بقاء الحال على ما هو عليه، بلا خطوة للأمام فى البنية التحتية أو البنية العلوية، هؤلاء الذين تفرغوا لتخطيط المدن الجديدة العامرة بالقصور، وتقسيم كعكة الساحل الشمالى، وإهدار المليارات على شركات ذوى القربى، أو شركات ذوى الحظوة من الباطن، هؤلاء يتحملون خطيئة التردى العام فى مصر، والعجز العام فى مختلف المرافق فى البلاد، والإخفاق الذى لا يحتاج إلى برهان فى أسطورة البنية التحتية

كذبوا علينا فى كل عهد، وكذبوا علينا فى كل مشروع، بل كذبوا علينا فى كل لحظة، تفرغوا فقط لإقامة حفلات الزار السياسى والاقتصادى، ابتهالا وقربى للبارونات الذين صنعتهم الدولة فى ميادين الاستثمار العقارى، بارونات من عينة هشام طلعت مصطفى الذى منحوه الأرض بلا ثمن، ومدوا له أيادى الدعم والعون فى المرافق وشبكات المياه والصرف والكهرباء، وذللوا له الصعاب، لتجرى أنهار مصر وخدماتها من تحت قدميه، حتى يجعل من التراب (ذهبا خالصا من غير سوء)، يبيعه لهواة الذهب العقارى من أصحاب المقامات الرفيعة، أو ينفقه فى أساور من ذهب على غراميات دامية بين القاهرة ودبى ولندن، أو على جرائم قتل بملايين الدولارات (خالية من الضرائب).هشام فقط ومن هم على شاكلته، هم الذين انتفعوا من سياسات البنية التحتية والعلوية، ومن تشريعات التساهل والمنح بلا حساب، هشام فقط ومن هم على شاكلته من صنائع الدولة، هم الذين أكلوا وشربوا باسم البنية التحتية، وباسم التطوير العقارى، وباسم النهضة المعمارية، وباسم الصفقات بعيدة المدى واسعة الربح والتأثير، هؤلاء هم الذين عملت لهم الحكومة، وقطفوا ثمار الدعم الحكومى، أما الملايين من أبناء مصر، فأكلوا وشربوا من شعارات البنية التحتية، ولم يحصلوا على سكن مناسب، أو ماسورة مياه آمنة، أو سلك كهرباء سليم، أو مستشفى يخفف الألم، أو مدرسة تضمن تعليما يصون العقل ويحفظ الكرامة

مشروعات البنية التحتية المصرية لم تذهب للفقراء، ومليارات الصرف الصحى والكهرباء والطرق والغاز لم تعرفها الغالبية العظمى من أبناء مصر، عرفها فقط هؤلاء الذين فتحت لهم الحكومة أبواب الأراضى فى المدن الجديدة، وقاسمتهم ثمارها الناعمة، عرفها فقط هؤلاء الذين كانوا يجيدون لعب الجولف مع وزراء الحكومة على الملاعب الخضراء فى قلب الصحراء، أو على حدود الساحل الشمالى، عرفها فقط الذين يجيدون إنفاق المليارات على الراقصات والمطربات والقتلة المحترفين

كتب : أسامة فوزي

جويلية 29, 2009

هذه صورة قديمة للملك فيصل الأول ملك العراق وتقف خلفه أربع أميرات … الأميرة التي تقف في يمين الصورة هي الأميرة عزة أكبر أبناء الملك فيصل الأول الذي مات عام 1933 وهي من اشهر أميرات القصر في العراق بل ومن اشهر أميرات العروش الهاشمية ويمكن القول إنها الوحيدة التي حظيت بشهرة واسعة عربية وعالمية ليس لانها عالمة ذرة وليس لانها رابعة العدوية لا سمح الله وانما فقط لانها هربت مع عشيقها وهو طباخ يوناني كان يعمل في أحد الفنادق وعاشت الأميرة الهاشمية بالحرام مع العشيق لعدة سنوات ثم لفظها فعادت إلى الأردن لتعيش كأميرة طبعا وظلت هناك إلى أن ماتت في عام 1960 ودفنت في المقبرة الملكية أيضا .

حكاية الأميرة عزة تقترب كثيرا من حكاية ثلاث أميرات أردنيات هن الأميرة عالية والأميرة بسمة … والأميرة هيا … ولعل حكاية الأميرة هيا ابنة الملك حسين من زوجته الملكة عليا طوقان تكاد تكون نسخة طبق الأصل عن حكاية الأميرة عزة … والفرق الوحيد بينهما هو أن العشيق هنا مدرب خيل إيطالي … كما أن الأميرة ” هيا” لا زالت حية ترزق وتعيش بمفردها في باريس بعد أن هجرها العشيق الإيطالي …. والاهم من هذا أن حكاية الأميرة عزة أكدتها مصادر من العائلة الحاكمة وآخرها الأميرة بديعة ابنة الملك علي التي تقيم في لندن … بينما ظلت حكاية الأميرة هيا تلوكها الألسن دون أن يجرؤ أحد على تأكيدها رغم هروب الأميرة إلى باريس حيث ظلت فيها إلى أن مات أبوها فعادت إلى عمان لتشارك في دفنه قبل أن تعود إلى باريس .

سنترك حكاية الأميرة عالية إلى حلقة قادمة … وسنفرد للأميرة بسمة شقيقة الملك حسين اكثر من حلقة بخاصة وان عرب تايمز انفردت بنشر حكاية التوأم احمد وعالية وهما شابان يقيمان الآن في لندن ويدعيان أن الأميرة بسمة هي أمهما من أبيهما الدكتور احمد العطاس الذي كان طبيبا خاصا للملك حسين …هذا عدا عن ارتباط اسم الأميرة بسمة بالعديد من المنعطفات في التاريخ الأردني … فالأميرة كانت زوجة لتيمور ابن اللواء غازي الداغستاني وهو عراقي اعدمه عبد الكريم قاسم بعد الانقلاب على العائلة المالكة في العراق عام1958 وكان اللواء غازي الداغستاني على راس فرقة من الجيش دخلت بغداد في عام 1952 لاجهاظ مظاهرات شعبية قام بها الطلبة واسفرت عن مقتل العشرات منهم … وابنه تيمور كان ” بودي غارد ” للملك حسين وبعد طلاقه من الأميرة بسمة عينه الملك سفيرا للأردن في بريطانيا بدلا من الدكتور البرت بطرس … وشقيقة تيمور ” تمارا ” هي التي هربت احمد الجلبي بسيارتها إلى دمشق بعد فضيحة انهيار بنك البتراء في الأردن وقد كشفت عن هذا السر الأميرة بديعة في مذكراتها التي نشرت مؤخرا واضافت أن السلطات الأردنية – التي نفت معرفتها بالطريقة التي هرب بها الجلبي من عمان – كانت في الحقيقة تعرف أن تمارا أخت السفير الأردني في بريطانيا والزوج السابق للأميرة بسمة هي التي هربت الجلبي بصندوق سيارتها بل وذكرت الأميرة بديعة أن الملك أمر باعتقال تمارا وسجنها وانه افرج عنها بعد تدخل امها مديخة الداغستاني صديقة الأميرة بديعة … ومديحة الداغستاني كانت على صلة وثيقة بالقصر الملكي في العراق وكان زوجها لواء في الفرقة الثالثة وكان معروفا بصلته بالقصر لذا كان اسمه على راس المطلوبين بعد الانقلاب ….. ومديحة الداغستاني هي التي تدعم الشريف علي بن الحسين في مطالبته بعرش العراق رغم أن الملك حسين كان يرشح الأمير رعد بن زيد …. وصولا إلى زواج الأميرة بسمة من خالد الكردي وهو ابن سائق سيارة الملك طلال وقد تحول إلى مليونير وعمه عبد الاله الكردي اللواء السابق في الممخابرات والسفير المعين في تل أبيب من أهم المتهمين بفضيحة مجد الشمايلة وسرقة ثلاثة من اكبر البنوك الأردنية بالتعاون مع رئيس جهاز المخابرات سميح البطيخي .

الملك فيصل هو الابن الثالث من أولاد الشريف حسين الذكور الأربعة وقد اجبره أبوه على الزواج من ” حزيمة ابنة الشريف ناصر بن علي ” وكانت بدينة وغير جميلة … ووفقا لما ذكره ” ناصر الدين النشاشيبي ” في كتابه ” سنوات في مصر ” فان الملك فيصل كانت له عشيقة هندية ثم احب إيطالية ثم احب ممرضة مصرية يهودية رافقته في رحلة العلاج الى سويسرا وبعد موته تزوجت من الوزير المصري احمد صديق باشا وعاشت معه في لوزان .

زوجته حزيمة أنجبت له أولاده الأربعة غازي الذي اصبح ملكا على العراق والأميرات عزة وراجحة ورفيعة … رفيعة كانت معوقة ومشلولة … وراجحة زوجوها من تاجر حماية لها من الفساد كما قيل في حينه … أما الأميرة عزة فهي بطلة حكايتنا اليوم .

ولدت عزة – وهي اكبر اخوتها – في اسطمبول عام 1905 وتلقت تلعيمها الأولى في المدارس التركية وهذا يفسر ضعفها في اللغة العربية ولانها اول ثمرة لزواج إجباري فقد تلقت بعد ولادتها الكثير من سؤ المعاملة وتشربت الكثير من النكد من أبويها … وشهدت الخلافات والصراعات التي كانت تقع بين الزوجين فيصل وحزيمة بخاصة بعد انتقال فيصل الى الحجاز مع أبيه حسين بن علي واقامة فيصل في قصر الحارثية الذي حوله الى وكر للتعريص … ويبدو أن تبذل فيصل وانصرافه إلى حياة اللهو والخمرة والنساء هم الذي دفع زوجته ” حزيمة ” إلى التفرغ لرعاية وليدها غازي وعزة فأفسدتهما …. وجاء غازي نسخة عن أبيه من حيث شغفه بالنساء والخمور … وجاءت عزة متمردة باحثة عن متعتها الجنسية كيفما كان دون مراعاة وضعها كأميرة عربية مسلمة وابنة لرجل يزعم انه ملك الحجاز وجد يزعم انه حفيد الرسول .

كانت كل المؤشرات تؤكد أن الأميرة عزة في طريقها إلى الانحراف ومع ذلك لم يتخذ أبوها أي إجراء بل منحها حرية الخروج والسفر دون محرم وكانت المرأة الوحيدة في ارض الحجاز التي تخرج في الطرقات فارعة دارعة وبلباس أوروبي ووفقا لما ذكرته ابنة عمها الأميرة بديعة ابنة الملك علي فان جدة ” عزة ” الشركسية ” بزميجيهان ” هي التي افسد الأميرة .

كانت ” حزيمة ” وامها ” بزميجيهان ” تترددان كثيرا ومعهما غازي وعزة على جزيرة ” رودس ” وهيإحدى الجزر اليونانية حيث تتجردان من ملابسهما على شاطئ البحر وتطلقان لانفسهما العنان في الشرب والرقص والتبذل بعيدا عن القيود المفروضة عليهما في بغداد … وظلت هذه هي عادتهما حتى بعد ان اصبح ابن حزيمة ” غازي ” ملكا … ووفقا لما ذكره مقربون من القصر آنذاك فان غازي كان يقتنص الفرصة للهرب من قصر الرحاب في بغداد إلى اليونان حيث كان الملك مغرما بالشرب والنساء والتزلج والتحليق بالطائرات الشراعية … وكان يصطحب معه في رحلات المجون أمه واخته عزة التي تعرفت في إحدى الجزر على نادل ” جرسون ” كان يعمل في مطبخ الفندق الذي تنزل فيه العائلة المالكة …. اسم الطباخ ” انستاسيو هارالمبيدس ” وهو من مواليد عام 1912 .

تطورت العلاقة بين النادل وعزة واصبح النادل يعاشر الأميرة معاشرة الأزواج رغم إنها لم تكن جميلة وكان من الواضح أن النادل يتقاضى عن ” مجهوداته ” مبلغا من المال ويبدو أن الطمع أصابه فظن أن الزواج من الأميرة سيدخله إلى القصر الملكي فينتفع من القصر ويخالط الأمراء بعد أن عانى الكثير من مهمته كنادل وطباخ في فندق يوناني … ولان النادل أو العشيق لم يكن على معرفة بالعادات والتقاليد العربية ولانه لم يكن يعرف أن المرأة المسلمة لا يحق لها شرعا الزواج من غير المسلم ولانه لم يكن يعلم أن ارتكاب فتاة عربية جريمة الزنا والهروب مع عشيقها تعاقب عليه من قبل أهلها بالقتل – وهذا طبعا ما لم يحدث في حالة الأميرة عزة لان أهلها لا يعتبرون أنفسهم من جنس العرب – فقد رتب العاشقان الحكاية لوضع الملك غازي تحت الأمر الواقع .

كيف هربت الأميرة عزة مع عشيقها الطباخ اليوناني ؟
لنترك ابنة عمها الأميرة بديعة تخبرنا بالحكاية كما أوردتها في مذكراتها … تقول الأميرة بديعة : ” تظاهرت عزة بالمرض واخذت تسعل بصورة مستمرة فتبصق على الأرض لتخرج من فمها مادة حمراء لزجة تزعم أنها دما وتبين فيما بعد بأنها ” جكليت احمر ” – أي علكة اولبان – ما اضطر أخاها الملك غازي إلى أن يسمح لها بالسفر إلى إحدى الجزر اليونانية للاصطياف متأملا أن تتحسن صحتها هناك واذا بها تنهزم مع خديعها اليوناني ” .

تؤكد الأميرة بديعة أن ابنة عمها عزة قد أقامت علاقة جنسية مع الطباخ وان الطباخ استولى على أموالها ومجوهراتها ثم ” طردها كما تطرد الحيوانات السائبة ” كما ذكرت الأميرة بديعة …. لكن مصادر عرب تايمز في عمان اكدت لها ان الاميرة عزة تزوجت الطباخ وغيرت اسمها الى اسم ” انستاسيا ” وانها طلقت من الطباخ رسميا عام 1943 في روما وانها استردت لقبها كأميرة عام 1947 .

تكتم القصر الملكي في بغداد عن الخبر ولم يسمح بنشر كلمة واحدة عن هروب الأميرة عزة واشاع القصر أن الأميرة تعالج في أوروبا … واصيب القصر الملكي في بغداد لحرج كبير بعد أن وصلت الأميرة التي تركها عشيقها إلى إيطاليا والقي القبض عليها في بيت مشبوه حيث عملت كمومس لتأمين لقمة العيش وهذه المرحلة من حياة الأميرة المومس لم يكتب عنها أحد … وان كانت الأميرة بديعة ابنة عمها قد زعمت أن عزة أقامت في إيطاليا ” فراها بعض الطليان والإنجليز فعرفوها واخذوا يتصدقون عليها إكراما لاهلها أو ربما عطفا عليها بعد أن رأوها بتلك الحال المزرية ” .

كانت أخبار الأميرة الهاشمية قد ملأت صحف الفضائح في أوروبا في الوقت نفسه الذي كانت فيه أخبار وفضائح عمها الملك عبدالله على كل لسان بخاصة فضائحه السياسية بعد تكشف اتصالاته مع الوكالة اليهودية وتأجيره الأراضي لهذه الوكالة من خلال اليهودي الصهيوني شرتوك الذي … أو من خلال فضائحه الشخصية ومنها بناء مخيم في منطقة ماركا لعشيقته ناهدة وهي امرأة زنجية اشتراها أبوه حسين بن علي لتعلب مع ابنته صالحة أخت الملك عبدالله … ووفقا لما ذكرته الوثائق البريطانية فان الملك عبدالله دخل يوما إلى الغرفة فوجد العبدة ” ناهدة ” بثياب النوم فاغتصبها ثم اتخذها عشيقة واقام لها مخيما في ماركا وكانت تعرف بين الأردنيين باسم العبدة وقيل إنها كانت تتولى الإشراف على الأراضي التي يؤجرها الملك لليهود … وكانت علاقة عبدالله بالعبدة ناهدة السبب الرئيسي في الخلاف الذي وقع بينه وبين ابنه البكر الملك طلال الذي تظافر مع أمه الملكة مصباح ضد عشيقة الأب .

على الخط نفسه كانت فضائح العائلة المالكة في العراق تزكم الأنوف … سواء الفضائح السياسية أو الفضائح الأخلاقية … ومع أن الملك غازي كان محبوبا من العراقيين تماما مثل الملك طلال الذي احبه الأردنيون للسبب نفسه وهو كره الاثنين للإنجليز إلا أن مسلكيات الملك غازي وادمانه على الخمر والنساء قد استغل من قبل خصومه الموالين للإنجليز في التشهير به وكانت المخابرات البريطانية تلعب دورا بارزا في الترويج لفضائح الأميرة عزة لإحراج أخيها الملك غازي الذي انتهى قتلا على يد زوجته عالية في حادث سيارة مدير … وادى وصول عبد الإله خال الطفل فيصل الذي كان آنذاك في الخامسة من عمره إلى سدة الحكم كوصي على عرش العراق إلى انتقال الفضائح السياسية والأخلاقية لحكام العراق إلى العلن بخاصة وان عبد الإله كان يقضي معظم أيام السنة هو وامه واخواته في بريطانيا بينما كانت الأوضاع في العراق تغلي وكان الاقتصاد يتدهور الأمر الذي مهد إلى الانقلاب العسكري الأول الذي قادة أربعة ضباط على رأسهم رشيد عالي الكيلاني … وهروب عبد الإله إلى الأردن … ثم عودته إلى بغداد على راس قوات إنجليزية ومجموعات من البدو الأردنيين .

لم تكن الأوضاع في مطلع الأربعينات تحتمل فضائح جديدة للأسرتين الهاشميتين الحاكمتين في عمان وبغداد لذا طار عبد الإله إلى إيطاليا باتفاق وتكليف من عمه الملك عبدالله ونجح في إقناع السلطات الإيطالية بتسفير الأميرة عزة التي كانت تحترف آنذاك الدعارة في فنادق الخمس نجوم إلى القدس وتم وضعها في فيلا تحت الإقامة الجبرية دون أن يعرف الأردنيون هويتها حتى ظنها البعض عشيقة جديدة للملك عبدالله بخاصة وان قوة الحراسة حول الفيلا كانت تتبع الحرس الملكي .

هذه الهمهمات والتساؤلات جعل الملك عبدالله يأمر بنقل الأميرة إلى إحدى ضواحي عمان حيث أنزلها في بيت قرب صويلح وظلت الأميرة مجهولة الاسم والهوية لدى كثيرين حتى عندما جاء الملك حسين إلى الحكم ولم يعلن عن حقيقة اسمها وهويتها إلا عن الإعلان عن وفاتها عام 1960 بداء السرطان حيث نقلت الى عجل الى لندن للعلاج واضطر الأطباء إلى استئصال لسانها ولكن دون جدوى حيث ماتت في المستشفى وكانت أختها الأميرة راجحة قد ماتت قبلها بعدة اشهر وفي المستشفى نفسه أيضا بل وبالمرض نفسه أي السرطان بعد أن زوجت الأميرة راجحة ابنتها الأميرة ” نفسية ” الهاشمية المسلمة من رجل إنجليزي غير مسلم … ونقل جثمان الأميرة عزة إلى عمان حيث حيث دفنت في المقابر الملكية واسدل الستار على حكاية الأميرة الهاشمية عزة بنت فيصل بن الحسين بن علي بن جدعون … حفظهم الله .

السعوديّة وإسرائيل الحلف غير المُعلن

جويلية 28, 2009

أسعد أبو خليل *
نشرت «صنداي تايمز» أخيراً خبراً عن تقرير للموساد يفيد بأن السعوديّة ستسمح بعبور الطائرات الإسرائيلية فوق أراضيها إذا ما قرّرت ضرب إيران. وأضافت الصحيفة أن الموساد تعمل بجهد لتطوير العلاقة السريّة مع المملكة السعوديّة. طبعاً، السعوديّة نفت الخبر. والإعلام العربي يتجاهل كعادته أية أخبار تسيء إلى سمعة المملكة التي يتقاطر إليها ليبراليّو العالم للثناء على طقوسها في قطع الرؤوس ورجم العشّاق
الحديث عن علاقة بين السعوديّة وإسرائيل ليس ابن عصر بوش. فمن المعروف أن السعوديّة اختارت أن تكون بمنأى عن الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي منذ البداية.الملك عبد الله بن عبد العزيز (أرشيف) لم تكن في وارد النظر في أمر مساعدة شعب فلسطين لصدّ العدوان الصهيوني. طبعاً، كان الملك بن عبد العزيز ينظر بعين الريبة إلى كل ما يفعله الهاشميّون. لكن رغم نصائح مستشاريه من أهل الشام ومن الرحالة «فيلبي»، لم ينظر في أمر تدخل سعودي جدّي لنصرة شعب فلسطين. على العكس: كان عبد العزيز يمثّل الجناح الأكثر تآلفاً مع الصهيونيّة منذ الثلاثينيات. ولنتذكّر أن الموقف السعودي (كما نتبيّنه من وثائق الأرشيف البريطاني ومراسلات حافظ وهبة، مستشاره البولاقي) كان مهادناً لقرار لجنة «بيل» في 1937 بتقسيم فلسطين (وكان القرار يتضمّن طرد عشرات الآلاف من العرب من المواقع الخصيبة التي خُصِّصت لدولة يهوديّة). كذلك نصح بريطانيا بجعله أكثر قبولاً من العرب فيما كان العرب (وحتى بعض الحكومات) يرفضون القرار بالقاطع. لكن الحكومة السعوديّة خافت من أن تجاهر بموقف صريح من القرار المذكور، واختارت أن تلحق بالركب العربي في رفض القرار (علناً).

أراد الملك فهد أن يثبت لواشنطن أنّ خدمات السعوديّة لا تنحصر بالنفط ومعاداة الشيوعيّةوكان موقف الملك عبد العزيز تتحكّم به أهواء متناقضة: فهو كان كريهاً جداً في خطابه العنصري تجاه اليهود (كيهود) وتجاه ما كان يسمّيه «المرض اليهودي». وكان يخشى أن يؤثّر أي موقف مُعلن بمهادنة الصهيونيّة على الوضع الداخلي في المملكة، وخصوصاً أنّ النقمة على الحكم كانت تتنامى من جانب «الإخوان» المتشدّدين. كذلك كان الملك طامعاً بلقب خليفة المسلمين أو حاكم العرب المطلق، مع أن الملك المصري كان ينازعه في هذا الطموح. وإذا كان هناك من أي ترسّب لمعارضة سعوديّة للصهاينة، فإنها لم تكن تتعلّق بشعب فلسطين: كان الملك يخشى فقط توسّع الدولة اليهوديّة المُزمعة وإلحاق أراضٍ سعوديّة بها. لكن الارتباط السعودي بالحكم البريطاني (بالرغم من تودّد سعودي نحو الحكم النازي في أواخر عام 1937، لكن عبد العزيز عاد وثبّت تحالفه الذيلي مع بريطانيا بعد تمنّع هتلر عن بيعه السلاح ـــــ ويحتفظ الملك السعودي الحالي في مكتبه الخاص بخنجر نازي ممهور بالصليب المعقوف مُهدى من هتلر إلى عبد العزيز، كما أخبرني سفير أميركي سابق في السعوديّة).
لكن الأبرز في الموقف السعودي من القضيّة الفلسطينيّة والموقف من الصهيونيّة كان في تلك المبادرة السريّة للرحالة «فيلبي» (وهو أبو الجاسوس المعروف فيلبي). مبادرة فيلبي لا تزال سرّ الأسرار (خصوصاً في العالم العربي) والوثائق البريطانيّة لا تعلم عنها الكثير. ما نعلمه أن الرحالة «فيلبي» جال في بريطانيا في أواخر الثلاثينيات والأربعينيات مُروِّجاً لفكرة بيع فلسطين لليهود مقابل 20 مليون جنيه إسترليني تُدفع نقداً للملك عبد العزيز، بالإضافة إلى تبنٍّ بريطاني (وصهيوني ضمني) لجعل عبد العزيز ملكاً على كلّ العرب. لم يتحدّث «فيلبي» يوماً عن تفاصيل المبادرة وخلفيّتها،الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز (أرشيف ــ رويترز) والسعوديّة كعادتها تلعب السياسة بالسرّ، وغالباً ما تأتي التصاريح العلنيّة إما لستر فضيحة وإما لإخفاء مؤامرة شنيعة. لكن الحكومة البريطانيّة أخذتها على محمل الجدّ وبحثتها رسميّاً مع حاييم وايزمان في عام 1942، كذلك فإنّ الرئيس الأميركي، روزفلت، كان على علم مسبق بها. ولا ندري إذا كان الدبلوماسيّون السعوديّون الذين كانوا يلتقون دوريّاً بالمسؤولين الصهاينة (كما روى بن غوريون في كتابه عن لقاءاته مع العرب) قد بحثوا في شأن تلك المبادرة. والمؤرخة القديرة إليزبث مونرو (التي كتبت تاريخاً مرجعيّاً عن أفول السياسة البريطانيّة في الشرق الأوسط) أدرجت قسماً في سيرتها عن «فيلبي» لتحليل القليل المعروف عن المبادرة. فقد ذكرت أن الملك السعودي كان مضطرّاً للنأي بنفسه عن المبادرة بسبب الخوف من ردّة الفعل لأنها تسرّبت إلى دول لم يُفترض أن تعلم بها. وافترضت مونرو أنها أتت من «فيلبي» أصلاً مع أنها لم تقدّم دليلاً. النفي السعودي الرسمي لا يبدِّد الشك، بل يزيده. ما علينا. ماتت تلك المبادرة، وإن كنّا نعلم من خلالها أن آل سعود كان يمكنهم أن يبيعوا فلسطين وشعبها بنحو عشرين مليون جنيه. لم تُبَع فلسطين، والملك السعودي لم يتّسع ملكُه.
لكن الدور السعودي الرسمي خفت بعد إنشاء دولة فلسطين. الصراع بين أخوة آل سعود في الخمسينيات وأوائل الستينيات (حتى تثبيت دعائم حكم فيصل) ساد في تلك الفترة، وكانت السياسة الخارجيّة مهووسة بالصراع مع عبد الناصر، كما يروي «مالكولم كرّ» في كتابه عن «الحرب العربيّة الباردة». لكن الملاحظ أن آل سعود شاركوا العداء الإسرائيلي لعبد الناصر، ومثّلوا جزءاً من التحالف الأميركي الغربي ضد الشيوعيّة، الذي كانت إسرائيل جزءاً منه. وهنا المهم. لا نستطيع اليوم التحدّث بملء الثقة عن معلومات أو أسانيد لعلاقات رسميّة بين السعوديّة وإسرائيل في تلك الحقبة أو ما تلاها. قد ننتظر سنوات وعقوداً طويلة قبل نشر الوثائق المتعلّقة بذلك. والحكم السعوديّ أكثر تكتّماً من كلّ الأنظمة العربيّة بسبب الهوّة بين السياسة المُعلنة والسياسة الحقيقيّة. العقيدة الوهابيّة والزعم بحماية الحرميْن لا يسمحان بالصراحة من سلالة لم تحد عن طاعة الراعي البريطاني والأميركي. لكن ليس من الصدفة أن السعوديّة كانت جزءاً من أحلاف متعاقبة على مرّ التاريخ العربي الحديث إلى جانب الولايات المتحدة و… إسرائيل. كل الأحلاف المعادية لأميركا وإسرائيل في المنطقة العربيّة كانت في الخندق المقابل للحكم السعودي. صدفة؟
والملك فيصل عزّز من أواصر الحلف مع المعسكر الرجعي المحلّي والعالمي بعدما استولى على كلّ السلطة. كان الخطاب السعودي الكريه تجاه اليهود (لكونهم يهوداً) لا يمثّل سياسة سعوديّة رسميّة تجاه إسرائيل: على العكس. كان الخطاب العنصري يمثّل غطاءً لسياسة مهادنة نحو إسرائيل على مرّ العقود. كان فيصل يجهر بكراهية تجاه اليهود والشيوعيّة، ولا يميّز بيْن الاثنيْن. لكن هذا لم يمنعه من تعليق عدائه المُعلن لليهود (لكونهم يهوداً) في لقاءاته العديدة مع من تنتدبهم واشنطن للقائه مثل هنري كيسنجر الذي كان عزيزاً جداً على قلب الملك الذي كان يجد صعوبة في ردّ طلباته. ووقف الحظر النفطي (الشكلي، لأن بيع النفط السعودي في السوق الفوريّة استمرّ من دون توقّف) في 1973 أتى تلبية لطلب من «العزيز هنري». وخطاب فيصل ضد اليهود كان شكليّاً بالنسبة إليه لأنه لم يكن يتورّع عن ترداده حتى في لقاءاته مع اليهود الصهاينة. لكن طبيعة التحالف أو التعاون مع إسرائيل في عهده كانت سريّة للغاية، ولا نملك إلا التهكّن والملاحظة هنا. أعداء إسرائيل كانوا هم أعداء السعوديّة، وكان الملك السعودي ينطق بكلام عام لا معنى له عن النيّة بالصلاة في القدس (سبقه إلى ذلك أنور السادات). لكن المملكة كانت تموّل خطاب الإخوان والسلفيّة الجهادي لأسباب تتعلّق باستجداء المشروعيّة السياسيّة في عهد عبد الناصر، كذلك فإنّ التيّاريْن كانا مهادنيْن لإسرائيل. شغلهما الصراع مع الأنظمة الاشتراكيّة على ما يبدو.

لا نستطيع في عهد
الملك عبد الله التحدّث عن سياسة خارجيّة سعوديّة، بل عن سياسات خارجيّة للأمراء السعوديّينأما ما نُشر من وثائق من تلك الفترة في أميركا، فيبرز الدور السعودي في الضغط على حركة فتح لإسعاد الحكومة الأميركيّة. وقد نصل في تأريخ رصين لحركة فتح لدور سعودي خفي في الصعود المفاجئ أواخر الستينيات لياسر عرفات وجناح خالد الحسن في حركة فتح، وكان عامل المال مقرّراً. هناك من يشير ـــــ دفاعاً عن آل سعود، والدفاع عن آل سعود مهنة مثلها مثل المهن الأخرى في العالم العربي، وإن درّت أرباحاً أكبر ـــــ إلى العطاءات والتمويل السعودي لحركات فلسطينيّة. أولاً، إن المال السعودي كان في أكثره مالاً فلسطينياً مُقتطعاً من ضرائب تُجبى من الحكومة السعودية وتُعلن (في الماضي لأنها توقّفت) لغايات دعائيّة فقط. ثانياً، أما بعض الأموال السريّة والعلنيّة التي دفعتها بعض الأنظمة الخليجيّة لمنظمات فلسطينيّة، فهي كانت أقرب إلى خوّات أو دفعات ضمانة: كانت المنظمات المَحظيّة تتكفّل بحماية الأنظمة من أي نوع من الاعتداءات على أراضيها. قصة أبو أياد مع حكومة الإمارات معروفة: كيف وشى أبو أياد بمجموعة بقيادة أبو العبّاس كانت تنوي سرقة بنك في الإمارات. لم تعلم حكومة الإمارات أن أبو العباس حصل على جوازات السفر المُزوّرة من أبو أياد نفسه. وحصل أبو أياد على مبلغ كبير (لمصلحة جهازه) لوشايته. ولا ننسى أن بعض قيادات حركة فتح كانت تقوم بخدمات قذرة بالنيابة عن الاستخبارات السعودية، كما حصل مع المعارض السعودي، ناصر السعيد، الذي تعرّض للخطف من واحد من أسوأ الفاسدين في الثورة الفلسطينيّة في لبنان، أبو الزعيم (الذي انتفض في عام 1986 على ياسر عرفات بإيعاز أردني)، على ما يعتقد كثيرون.
أما حكم الملك فهد (والإخوة السديري)، فقد بدأ في عهد الملك خالد، لأن الأخير انصرف ـــــ على غير عادة أمراء آل سعود ـــــ للتقوى والورع، فيما انصرف الملك فهد لشؤون الحكم وشؤون ابتكار اللذّات، وخصوصاً المحرّمة. والملك فهد ارتقى بالعلاقات مع واشنطن إلى درجة التعاون في الأعمال الاستخباريّة السريّة في مناطق بعيدة جدّاً عن الشرق الأوسط. أراد فهد (الذي لا يزال رضوان السيّد يتفجّع عليه على الأقنية السعوديّة) أن يُثبت لواشنطن أن خدمات السعوديّة لا تنحصر بالنفط ومعاداة الشيوعيّة. أراد فهد إثبات الجدوى الاستراتيجيّة. الدور السعودي انتشر إلى أفريقيا وحتى إلى أميركا اللاتينيّة في عصر ريغان. لكن تظهير التحالف السعودي ـــــ الإسرائيلي برز بعد أحداث 11 أيلول.
نستطيع أن نحلّل مختلف أبعاد السياسة الخارجيّة السعوديّة ومنطلقاتها ومُقرِّراتها من جوانب مختلفة. لكن عنصر ما سمّاه المعارض السعودي فهد القحطاني في كتابه القيّم عنه «صراع الأجنحة» برز بعد 11 أيلول. لا نستطيع في عهد الملك عبد الله أن نتحدّث عن سياسة خارجيّة سعوديّة. نستطيع فقط أن نتحدّث عن سياسات خارجيّة للأمراء السعوديّين: لكل أمير سياسة خارجيّة خاصة به وجهاز استخباري خاص به. فالصلح السعودي ـــــ القطري مثلاً، لم يعبّر عن توجّهات الأمير سلمان (الساعي بجهد وراء المُلك، الذي تلقّى صفعة قويّة بإبعاده عن ولاية العهد عبر تعيين شقيقه، نايف، خليفة لسلطان، وخصوصاً أن نايف هو الأمير الأقل شعبيّة بين الأمراء ربما بسبب تمرّسه بالتعذيب في وزارته وفي بثّ الذعر من خلال شرطة الأخلاق السلفيّة، مع أنه يحظى بتأييد شديد من سمير عطا الله الذي ينفي ـــــ إيه يا محسنين ومحسنات ـــــ عن نفسه تهمة التملّق لأمراء آل سعود، أي إن مديحته للأمير مقرن كانت خالصة وصافية في عواطفها). وإعلام الأمير سلمان (في جريدة الشرق الأوسط) يسير في نهج مستقل عن سياسات الملك عبد الله ونياته (والأمير سلمان، مثله مثل الأمير سلطان، يلازم قصره في المغرب منذ أشهر طويلة سعياً وراء الراحة، وهي غير «راحة الحلقوم»). والأمير بندر كان يتمتّع بدرجة عالية من السلطة في أمور الاستخبارات والسياسة الخارجيّة، وذلك بسبب قربه من عمّه فهد، لا من أبيه سلطان (يمكن مراجعة سيرة بندر لويليام سمبسون ـــــ غير النقديّة ـــــ التي يتطرّق فيها إلى نشاطات السعوديّة في آسيا وأفريقيا دعماً لحركات مناهضة للشيوعيّة، كذلك فإنه يتعرّض للعلاقة الباردة بين بندر وأبيه).
لكن موت الأمير فهد فتح الباب واسعاً أمام صراعات الأجنحة: لم يتآلف من بقي من الأخوة السديريّين مع فكرة الملك عبد الله ملكاً، وخصوصاً أنّه برز ضعيفاً أمامهم لأنه لا أخوة أشقاء له. وجناح أبناء الملك فيصل لم يتقبّل فكرة استمرار بندر في إدارة العلاقات مع واشنطن: وهذا ما دفع الأمير تركي إلى الاستقالة من منصب السفير بعدما تبيّن له أن بندر لا يزال يقوم بزيارات سريّة من وراء ظهره إلى واشنطن لغايات لا علم له بها. كان تركي كالسفير المخدوع. لكنّ الأكيد أن بناء العلاقة بين إسرائيل والسعوديّة وتوثّقها بدآ (أو كبُرا) بعد 11 أيلول. علم الحكم السعودي أن تدهور العلاقات مع أميركا لا يمكن إلا أن يمرّ عبر إسرائيل: وهذا السرّ مكنوه من كل الحكّام العرب. بدأت السعوديّة عبر أكثر من صلة الاتصال المباشر مع الحكومة الإسرائيليّة كما ذكرت تقارير صحافيّة. هناك من يقول إن بندر كان مُبادراً، لكن العلائم كانت بادية. سعوديّون يتقاطرون للحديث عن الخطر الإيراني أمام الذراع الفكرية للوبي الصهويني في واشنطن (الذي استضاف أيضاً وليد جنبلاط ـــــ في مرحلة الغشاوة الثانية التي انقشعت بعد 7 أيار ـــــ ونهاد المشنوق ومصباح الأحدب، السلفي المُتنوِّر). لكن جوانب التقارب مع، أو قُل التملّق السعودي نحو، إسرائيل تبلورت في مبادرة توماس فريدمان. حلم الملك السعودي بموافقة إسرائيليّة تكفل له الخروج العلني بحلفه مع إسرائيل. لكن كان عليه أن يقبل أكثر (ويزهو مروان المعشر في كتابه عن «الوسطيّة العربيّة» بدوره في محاربة حق العودة في المبادرة «العربيّة») ما يسبّب إحراجاً له في صراع الأجنحة وفي محاولته البروز كملك السنّة العرب غير المُتوّج.
لكن جوانب الاتفاق مع إسرائيل كانت على أكثر من صعيد: توقفت السعوديّة على الفور عن دعم أي فصيل فلسطيني يدعو إلى الكفاح المسلّح ضد إسرائيل. حتى التبرّعات السعوديّة الخاصة والشعبيّة (والشعب السعودي على خلاف حكّامه متعاطف بقوة مع شعب فلسطين) تعرّضت للتحريم الرسمي. انحصر الدعم السعودي بعصابات الدحلان التي تتلقّى الدعم الأميركي والإسرائيلي. أي إن الدور السعودي في القضيّة الفلسطينيّة يمرّ اليوم بما هو مُجاز إسرائيليّاً. وفي حرب تموز، توضّحت الصورة أكثر بعدما أدّى اغتيال رفيق الحريري إلى عداء قوي للنظام السوري وإلى رسم حدود الفريقيْن في لبنان، وكانت السعودية إلى جانب الفريق الذي يعارض مقاومة إسرائيل. والإعلان السعودي المُبكِّر في دعم إسرائيل في عدوان تمّوز كان سابقاً لأوانه ومثّل (ولا يزال يمثّل بالمقياس التاريخي، وإن تمنّع حزب الله عن انتقاد السعوديّة ربما تلبيةً لطلب إيراني بالمهادنة) إحراجاً لموقف المملكة من الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي. لكن البيان صدر عن «مصدر مسؤول»، والإشارة يمكن أن تخفي صراع الأجنحة على السياسة الخارجيّة، وهزيمة حزب الله التي كان يمكن أن تخرج بالحلف الإسرائيلي ـــــ السعودي إلى العلن، لم تتحقّق. سارعت المملكة كعادتها لمحاولة إنقاذ نفسها عبر إعلان برنامج مساعدات سخيّ للبنان (وصل بعض هذه الإعلانات فقط وبعضها الآخر أسهم في إنجاح فريق «الأمير مقرن أولاً» في الانتخابات النيابيّة) للتغطية على الموقف المُبكِّر. ساعدت إسرائيل السعودية عندما سمحت فقط لأعوانها من الأنظمة العربيّة بالهبوط في مطار بيروت لتقديم المساعدة للبنان أثناء العدوان. العداء لحماس بعد انهيار اتفاق مكة أسهم في تعزيز أواصر الصداقة الوهابيّة ـــــ الصهيونيّة، وسارع الملك عبد الله إلى الترويج لمبادرة أخرى: الحوار بين الأديان.
وهناك بعض الأسئلة البريئة: هل يفترض الحوار بين الأديان اختصارها بالإسلام ممثلاً بالملك السعودي واليهوديّة ممثّلة بشمعون بيريز (حتى حليف السعوديّة في لبنان، بطريرك الموارنة ـــــ العروبي ليوم واحد فقط ـــــ لم يُدعَ إلى الحوار بين الأديان، مع أن البطريركيّة المارونيّة حاورت الصهيونيّة قبل توقيع الاتفاق السرّي بين البطريركيّة والحركة الصهيونيّة في عام 1946)؟ هل الصدفة وحدها وراء الترويج لمعلّقين غربيّين (وعرب) من عتاة الصهاينة في الغرب؟ هل الاستفادة من حكمة البريطاني عادل درويش في كل الإعلام السعودي تدخل في باب الصدفة، مع أنه ليكودي عريق، وقد أسّس في لندن منظمة لمناصرة إسرائيل في الإعلام البريطاني؟ هل الصدفة هي في التخفيف من وتصغير تغطية حجم المعاناة الفلسطينيّة في الإعلام؟ هل هذا التركيز على الرياضة والتسلية والمنوّعات المبتذلة (التي تروّج لتسليع المرأة وإهانتها) في الثقافة المُموّلة سعودياً على حساب أخبار السياسة هو أيضاً صدفة؟ هل الحماسة الإسرائيليّة للفتنة السنيّة ـــــ الشيعيّة وتنصيب شمعون بيريز مفتياً في شؤون المسلمين في الإعلام الغربي والسعودي صدفة؟ هل المسارعة السعوديّة للترويج للخطر الإيراني عندما تكون إسرائيل تخوض غمار عدوانها على لبنان وفلسطين هي صدفة أيضاً؟ هل المؤامرة لاحتلال العراق والتلاقي السعودي ـــــ الإسرائيلي جريا من دون تنسيق وتوزيع أدوار؟ هل إعلان النظام العربي الأمني بقيادة الأمير نايف «الحرب على الإرهاب» والاستعارة من مصطلحات إسرائيل ووسائلها (من يلاحظ في لبنان مثلاً أن إعلان «الحرب على الإرهاب» هناك تزامن مع تدمير مخيم فلسطيني آهل بالسكّان؟) هل كان انسحاب السعوديّة من المقاطعة العربيّة لإسرائيل هكذا أمراً عفوياً لا سابق ولا لاحق له؟ وهل التناغم والغزل بين الإعلام الإسرائيلي والصهيوني عامةً والإعلام السعودي هو أيضاً محض صدفة؟ ولماذا اضمحلّت وزالت بعض الأصوات الليبراليّة في الغرب التي كانت تندّد باستمرار بخرق حقوق الإنسان في السعوديّة؟
إذا كان «فيلبي» قد عرض مشروعاً سعودياً لبيع فلسطين للصهاينة مقابل 20 مليون جنيه، فإن خادم الحرميْن الحالي قد يعرض في يومٍ ما بيع الحرميْن مقابل أقلّ من ثلاثين من الفضة.
* أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة كاليفورنيا
(موقعه على الإنترنت:
angryarab.blogspot.com)

http://www.al-akhbar.com/ar/node/148727

مقال رائع، نفسي أعرف مين إللي كتبه

جويلية 25, 2009

مقال رائع، نفسي أعرف مين إللي كتبه،

بالرغم من أنني أنتمي لجيل غير الجيل الحالي ولكني أعشق التواصل معه فماهو إلا إمتداد لجيل سابق قد يكون بعض القراء ينتمون إليه ويدركون ماأعنيه لاحقا

أنا أنتمي لجيل شهد في بداياته نهاية زعيم كبير مثل عبد الناصر كنت في الخامسة لا اتذكر إلا خيالات لهذا اليوم ولكني أتذكر حرب أكتوبر والأجازة من المدرسة والزجاج وعليه الجلاد الأزرق وصوت الغارات التي تدق في اوقات مختلفة من النهار وشباب الدفاع المدني ، لم اكن أعي ماذا تعني إسرائيل ولكني وعيت حلاوة الإنتصار في الوجوه

أنا أنتمي لجيل شهد صباحا مانشيت أسود من ثلاث كلمات (وقتها كانت المانشيتات بالأحمر وبالرقعة) في جريدة الاخبار كانت الكلمات هي “وماتت أم كلثوم” ، أنا من جيل شهد أنورالسادات يفتتح قناة السويس بزي البحرية الأبيض وزهوة النصر والكرامة على وجهه وبجواره شاه إيران ويتجول بقارب بحري وسط أصوات نفير السفن في نفس تاريخ النكسة ولكن عام خمسة وسبعين ، أنا من جيل شاهد على الهواء لحظات نزول أنور السادات مطار اللد بتل أبيب ليلا وسط جو مشوش ومشحون ومتناقض بين موافق ومعترض على مايقدم عليه ، أنا من جيل شاهد حادث المنصة ولاندري ماذا حدث وبعدها بساعة كان الخبر من راديو مونت كارلو بأن مصادر شبه مؤكدة بأن الرئيس السادات وافته المنية .. هكذا كان الخبر

أنا من جيل كانت إذاعته المفضلة والوحيدة راديو مونت كارلو تذيع أغاني عربية وغربية هكذا كنا نطلق عليها أغاني غربية وليست أجنبية ، وأصوات مذيعيين مثل حكمت وهبي وجورج قرداحي وفريدة الزمر وسناء منصور وسلمى الشماع كان وقتها اسمها سلمى فقط ، أنا من جيل كان ساعة العصاري يقف في الشباك بالفانلة الداخلية الخامسة عصرا مع كوب الشاي ليكتشف ماذا سوف تغني أم كلثوم الساعة الخامسة في إذاعة ام كلثوم وماذا نتوقع ان تكون أغنية الساعة التاسعة حيث كانت الإذاعة بدون مذيعيين

أنا من جيل كان يتابع مايطلبه المستمعون بإذاعة الشرق الأوسط كل يوم الساعة الثانية والنصف ظهرا ولكل يوم محدد من أيام الأسبوع نجم أو إثنين من عمالقة الغناء ، وفي الثالثة والنصف وخمس دقائق بعد للنساء فقط كان برنامج الشارع الغربي لأحمد فوزي قبل أن يصبح ديسكو تمانية لمحمد شبل وفي الرابعة والربع كانت قصص الاطفال لعمو حسن وبدايته الشهيرة أصدقائي الصغار مساء الخير ، أنا من جيل شاهد التليفزيون الأبيض والأسود مع برامج النادي الدولي لسمير صبري والسينما والحرب لأحمد سمير وأوتوجراف لطارق حبيب قبل التحول للتليفزيون الملون والتحول كان تدريجيا فلم تكن كل البرامج تذاع بالألوان وعرض البرامج بصحيفة الاخبار كان يعرض دائرة حمراء على البرامج التي سوف تذاع بالألوان ، أنا من جيل شاهد برامج شهيرة لسنوات طويلة مثل جولة الكاميرا لهند ابو السعود نورعلى نور لأحمد فراج وحياتي لفايزة واصف واخترنا لك لفريال صالح اسبوع ونجوى ابراهيم أسبوع آخر وكان فيه أغنية كوكوواوا الشهيرة وطيري طيري ياعصفورة وأغاني ديميس روسوس وهو لسه تخين ، وكانت حلقة نجوى ابراهيم أجمل دائماً ، والموسيقى العربية للدكتورة رتيبة الحفني وطقطقوة لعبده الحامولي ، وعالم الحيوان لأحمد سعيد قبل محمود سلطان وحلقات فرديناد قبل صلاة الجمعة في سينما الأطفال ومغامرات وليد وراندا في الفضاء وبوبي الحبوب ، ومحو الأمية وعبد البديع قمحاوي وعزيزي الدراس عزيزتي الدارسة ، والبرامج التعليمية من خمسة عصراً لستة ، وبرنامج عصافير الجنة وصباح الخير مع بقلظ وقبلها كان يقدم عصراً بإسم مساء الخير ، ومطرب الأطفال طلعت عطية كان مكرر علينا ، والمصارعة الحرة لفريد حسن ، وبرنامج أيام وليالي عصر يوم الجمعة ، و العالم يغني لحمدية حمدي وكانت تقدم أغاني تينا تشارلز والباكراه والفيلديج بيبول والسوبرتارمب والمغنية التركية أمل سايين والإستعراضية الإيطالية رافييلا كارا ، قبل أعوام من برنامج سلوكيات لملك إسماعيل وخمسة سياحة لجانيت فرج ،ومذيعات للنشرة مثل زينب الحكيم وهمت مصطفى ومذيعين مثل محمود سلطان وأحمد سمير وشفيع شلبي وعبد الرحمن علي

أنا من جيل شاهد بشغف جميع حلقات رجل بستة مليون دولار ل لي ماجور الشهير بإستيف اوستن وحلقات المرأة الخارقة أو بيونيك وومن لليندا ساي واجنر وبعدها حلقات الرجل الأخضر قبل حلقات نايت رايدر وبعدها باعمار حلقات ماكجيفر، أنا من جيل كان ينتظر حلقة التاسعة والربع الأجنبية على القناة الثانية مثل مسلسل الجذور وبطله كونتا كينتي ، أو مسلسل دالاس ونجمه الشرير جي آر ، قبل حلقات نوتس لاندينج والمسلسل الإنجليزي الكلاسيكي ناس فوق وناس تحت أو أب ستيرز داون ستيرز هذا كان قبل سنوات من المسلسل الياباني أوشين وحلقات ذي بولد أند ذا بيوتيفول

أنا من جيل كان يتابع بشغف حلقات كولومبو بطولة بيتر فولك وحلقات كوجاك بطولة النجم الأصلع تيلي سافالس وحلقات ميستري موفي التشويقية في الثالثة والربع على القناة الثانية ، وإعلانات سيجال خمس حروف يتاقلوا بمال وإنجرام ونجوم الكرة الاربعة ، وزجمار للموتسيكلات وعنده هوندا وعنده جاوا ، وريري إجري بسرعة ياواد ياحسين وشهادات الإستثمار فوايدها علينا كتار ، وإعلان وبعد عشرين سنة تيجي الحاجات تغلى إمم يبقى عملنا إيه ، وسلام عشان خضر العطار ، وصلاح الدين حبيب الملايين أعتقد انه كان بيبيع تيلفزيونات ، والإعلانات الثابتة لأوكازيونات شركة بيع المصنوعات المصرية وعمر افندي ، وبيع بالمزاد العلني الخبير المثمن والمصفي القضائي حلمي خزام وناجي خزام ، قبل إعلانات سر شويبس ومحمود إيه ده يامحمود وتخلص من حمامك القديم ولاكتويل أي لايك إت ،وبدل الإسماعيلية خليك شيك ، وباك بتاعي باك بتاعك ، ومام إتس مام ، وجرافينا ، وإبحث عن وردة تيودور ، وأولد سبايس وعلامة الرجولة والسيمفونية الشهيرة مع راكب الامواج ، وعطر باكوس للرجال ، ومعجون المعاجين أرتيف بالفلورين معجون الأسنان بتحبه الملايين ، وأمواس ناسيت ومعجون جيبس سار وإعلانات مارلبورو تعال إلى حيث النكهة ماكنتش إعلانات السجاير ممنوعة في التليفزيون وقتها

أنا من جيل كان يقرأ ألغاز الغامرين الخمسة محب ولوزة بضفيرتها الشهيرة ونوسة وعاطف وتختخ ومعهم الشاويش فرقع والمفتش نبيل وكوب الليمون المثلج في فيلا المعادي وحكايات الكوخ المحترق والرجل القرد وغيرها ، أنا من جيل كان يواظب على قراءة ميكي وميكي جيب ومعهم عصابة القناع الأسود ومدينة البط وعم دهب وزيزي وتوتو وسوسو ولولو وأبوطويلة شبيه بندق وعبقرينو ومجلة سمير ومن الجاني مع أشرف الشريف وعصام وزيكو وجدو وسمورة ، ولم يكن يحب تان تان كثيرا ولم يعجب بالشياطين التلاتاشر مثل المغامرين الخمسة

أنا من جيل شهد الطوابير على دور السينما لاول مرة في أفلام كينج كونج ثم الفك المفترس وبعدها حمى ليلة السبت وبداية إنتشار ظاهرة جون ترافولتا على أنغام البي جيز قبل طوابير فيلم الزلزال بعدها بسنوات ، ومن جيل تابع أفلام الرجل التخين والرجل الرفيع لتيرانس هيل وبُد سبنسر وأفلام الفرنسيان ألان ديلون وجان بول بولموندو وأفلام بروسلي ووكر الأفعي والرأس الكبير وبداية الافلام الهندية مع رام بال رام والتوأمان وظهور أميتاب باتشان وشاشي كابور وقبلهم الفيل صديقي وعشرين الف فرسخ تحت الماء لكيرك دوجلاس ، أنا من جيل كان يستمع للبي جيز والبوني إم والأبا وتينا تشارلز وظهور مايسمى بموسيقى الديسكو تبعها ظهور الديسكوتيك قبل ان يظهر مايكل جاكسون وجورج مايكل وأغاني الثمانينات وفرق أها ، ووام ، وبيت شوب بويز وديوران ديوران ، ومغنين مثل بروس سبرينجستين وستيفي ووندر وليونيل ريتشي وبوي جورج وبرينس ومغنيات مثل مادونا ووويتني هيوستون وسيندي لوبر

أنا من جيل شهد بدايات محمد منير وعلى الحجار وعمر فتحي ,ونجوم الموسيقى العربية محمد الحلو وسوزان عطية وتوفيق فريد ، ومحمد ثروت لم يكن محبوباً ونجم الشباب سمير الإسكندراني وفرق الجيتس والمصريين والفور إم والأصدقاء وقبلهم كانت النجوم الصاعدة كان هناك عماد عبد الحليم وعفاف راضي وكان نجم هاني شاكر قد خفت بشدة قبل أن يكتشف نفسه بأغنية على الضحكاية ، وبعدهم بفترة بدايات سميرة سعيد وعزيزة جلال وميادة الحناوي ولطيفة ، وشهد حكاية بليغ حمدي والمغربية سميرة مليان التي سقطت عارية من منزله وكانت حديث الجميع لفترة طويلة وكانت الحفلات المذاعة في التلفزيون تحييها وردة أو فايزة أحمد بعد وفاة عبد الحليم ومنع التليفزيون الرقص الشرقي في حفلاته بعدما كانت فقرة أساسية في جميع الحفلات وكانت نجمات الرقص وقتها سهير زكي ونجوى فؤاد وزيزي مصطفى وهالة الصافي وكانت الرقصات من ألحان محمد عبد الوهاب ، وكان نجوم المولونجست أيامها محمود شكوكو وشاهدته على الحقيقة وسيد الملاح وأحمد غانم وأحمد الحداد ونبيل فهمي

أنا من جيل شهد تحويل السلام الجمهوري إلى بلادي بلادي بتوزيع لعبد الوهاب لم ينل إستحساناً في البداية ، مثلما حدث مع موسيقى نشرة الأخبار ، أنا من جيل قبل أن يذهب للمدرسة كان يستمع وهو يرتدي المريلة إلى قرآن السادسة ثم حديث الصباح بعده ثم تمارين الصباح على البيانو كنا نسمعها ولم نمارسها أبدا حيث كنا منهمكين بشرب اللبن وتحضير الشنطة ووضع كراسة التسع أسطر والخط العربي ونسيان كراسة الرسم البياني البرتقالية اللون ، ثم يذيع الراديوأغاني الثلاثي المرح حلاوة شمسنا وراحة فين ياعزيزة حتى نشرة السابعة ، وقبل النزول كان برنامج طريق السلامة وكانت مقدمته الغنائية بصوت شادية تقول بالسلامة ياحبيبي بالسلامة وصوت المقدمة بصوت صفوت الشريف ومن الثامنة للتاسعة كانت برامج كلمتين وبس وهمسة عتاب وأخبارخفيفة تقديم آيات الحمصاني

أنا من جيل شهد المنافسة المتعصبة على الدوري والكأس بين مشجعي الأهلي والزمالك وكانت المبارايات تذاع يوم الجمعة فقط عصراً وليس مساءاً من الإستاد وكان وقتها إسمه إستاد ناصر قبل أن يعدلوا إسمه إلى إستاد القاهرة ، أنا من جيل شهد طاهر الشيخ والخطيب ومصطفي عبده ومصطفي يونس وثابت البطل ومحسن صالح وفتحي مبروك وإكرامي وشريف عبد المنعم ومن الزمالك حسن شحاتة وفاروق جعفر وعلى خليل وعادل المأمور وكان يستمع للتعليق بصوت محمد لطيف قبل علي زيوار وحسين مدكور ثم بعدهم أحمد عفت وعلاء الحامولي وبين الشوطين كان هناك رقصة السمسمية لفرقة رضا مع عايدة رياض أو جزء من الليلة الكبيرة قبل أن يحل محلها سداسي شرارة بقيادة عطية شرارة ، وجيل لم يكن يعرف مدرباً للاهلي غير المجري هيدكوتي ، ومحمد نوح يغني مع الجماهير في الإستاد في المباريات الوطنيه ، وبعدها بسنوات شاهدت فوز محمد رشوان بفضية الجودو بدورة لوس انجلوس وكيف لم يقوم بالتغلب على بطل العالم الياباني المصاب بقدمه اليسرى ورفض أن يلعب عليها حتى خسر الذهبية ولكنه كسب إحترام العالم ، أنا من جيل كان يتابع مباريات التنس في رولان جاروس وويمبلدون بصوت المعلق الجميل عادل شريف ونجوم مثل بيورن بورج وجون ماكنرو وكريس إيفرت ومارتينا نافرا تيلوفا قبل ظهور المشاغب بوم بوم او بوريس بيكر ، ونجوم مثل ناديا كومانتشي في الجمباز قبل أن تظهر الأمريكية ماري لو والعداء مايكل لويس والروسي سيرجي بوبكا وهو يتخطى حاجز الستة أمتار بالقفز بالزانة والعداءة الحافية الجنوب افريقية زولا بد ، وسعيد عويطة ونوال المتوكل من المغرب ، وكاربوف وكاسباروف في الشطرنج وعقدة شمال افريقيا وماتشات تونس وهدف الخطيب وحارس المرمى المغربي بادو الزاكي والجزائري الأخضر بللومي الذي مُنع من دخول مصر بعد تعديه على الجماهير والشرطة وطبيب مصري أفقده عينه ، والمدرب العراقي عمو بابا ومجلة الصقر القطرية بطبعتها الأنيقة وسعرها الزهيد

أنا من جيل كانت الفوازير لنيللي هي أحلى مافي التليفزيون في رمضان مع فهمي عبد الحميد والكروما وإستعراضات حسن عفيفي والسباق في حفظ اغاني المقدمة والنهاية والنقاشات بعد الفوازير والإختلاف على الحل وبعد شهور نشاهد حلقة أسماء الفائزين وسط أجولة من الخطابات تصل للملايين وذلك قبل فوازير شريهان ، أنا من جيل شاهد العرض الأول لمسلسلات شرارة لمحمد عوض وحنفي الونش لمحمد رضا وعلى بيه مظهر لمحمد صبحي والشاطئ المهجور لحسن يوسف والأفعى لمديحة كامل ومبروك جالك ولد لنيللي قبل ظهور مسلسلات أبنائي الأعزاء شكرا أو بابا عبده لعبد المنعم مدبولي وأحلام الفتى الطائر أو إبراهيم الطاير لعادل إمام ، وحكايات ميزو لسمير غانم وعيون لفؤاد المهندس ويونس شلبي ومسلسل غدا تتفتح الزهزر لمحمود ياسين ووردة والعربية زوبا ،وزينب والعرش لسهير رمزي ، ومسلسل البرادعي لسهير البابلي ومسلسل هي والمستحيل لصفاء أبو السعود والحرملك لبوسي وكرم مطاوع ، وأديب لنور الشريف والقرين لمحمود ياسين وأجزاء مسلسل محمد رسول الله الديني وشخصية هامان ، وفوازير عمو فؤاد رايح يصطاد ثم فوازير عموفؤاد رايح الإستاد ثم فوازير عمو فؤاد بيلف بلاد والعمدة الآلي وكارتون حكايات سندباد وعلي بابا وياسمينة وكارتون زينة ونحّول لم يكن هناك مازينجر ولا جريندايزر، وقبلهم في زمن الأبيض والأسود كانت مسلسلات الخماسية تأليف عبد المنعم الصاوي الساقية والضحية والرحيل ومنها تم أخذ اسم الساقية على المجمع الفني بالزمالك ، ومسلسل هارب من الأيام لعبد الله غيث وحلقات عادات وتقاليد لعقيلة راتب وعبد العظيم عبد الحق وعبد الحفيظ التطاوي في دور الشيخ سنطاوي وكان ينادي زوجته بالهم الكبير والتي تنتهي دائما بالجملة الشهيرة توبة والنبي توبة ، والمسلسل البوليسي ليوم الجمعة بعنوان البقية تأتي لعمرالحريري ومجدي وهبه في دور مفتشا المباحث فيقدم اللغز الساعة الخامسة وحل اللغز بمعرفة بطلي العمل في التاسعة والربع وكانت توقعاتنا غلط لحرفية كاتب المسلسل العالية ، ومنها كان البرنامج الإذاعي ربات البيوت بصوت صفية المهندس وعيلة مرزوق أفندي وخالتي بمبة التي تقدم شخصيتها ملك الجمل وتنهيها بجملة ياعيني عليا ، وعلي فايق زغلول وبرنامج الغلط فين قبل مايسموه مسرح المنوعات ، وأوائل الطلبة والجدية في التقديم والرهبة في أجوبة الطلبة ، وبرنامج محو الامية بمقدمته الغنائية الشهيرة ياللي انحرمتوا من .. التعليم السكة لسه قدامكوا .. من غير ماتدفعوا ولاّ مليم إذاعتنا ناوية تعلمكوا .. ياللا بقى ومعانا .. هاتوا ورقة وقلم ومرايا .. وإسمعوا ويانا

أنا من جيل تابع عملية لارناكا في قبرص وخطف الطائرة المصرية وعملية الكوماندوز الفاشلة وإغتيال الأديب يوسف السباعي ، وشاهد ظهور أول جماعات إرهابية تكفيرية وهي جماعة التكفير والهجرة بقيادة شكري مصطفي كنت أخاف عندما أسمع إسمه او أشاهد صورته وعملية خطف الشيخ الذهبي وقتله ، وسقوط طائرة سلوى حجازي في ليبيا ، ومن جيل عاصر مقتل الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب ، وأحداث سبتمبر الشهيرة والقبض على كل السياسيين والكتاب أصحاب الرأي ومنهم محمد حسين هيكل وفؤاد سراج الدين والبابا شنودة وغيرهم مئات

أنا من جيل كان جمال الفتاة في أناقتها ، لم تكن ترتدي الجينز والبودي والبلوزة ولكن كان هناك الفستان والتايير والشنطة من نفس لون الحذاء والمكياج كاملا وهادئا ، ولم يكن هناك تحرش جنسي وكانت المعاكسات غير فجة وأنيقة وآخر أمل للشاب أن يتحدث مع فتاة ، ولم تكن الفتاة جريئة وتقول له هات من الآخر .. إنت عايز إيه ؟ وعاصرت موضه الشارلستون والهيبيز والميني جيب في نهايتها قبل ظهور الجينز من ماركات إف يو إس ، وسونيتي ، ومومينتو ، ولحقت ببدايات ظهور الحجاب ، لم تكن الفتيات محجبات قبلها

أنا من جيل كان يقرأ يومياً عمود أحمد بهاء الدين بالأهرام وفكرة مصطفى أمين بالأخبار ونص كلمة لأحمد رجب وعلامة إستفهام لعبد السلام داود ، ونبيل عصمت في الصفحة الفنية تحت عنوان أبونضارة ، وكتابات محسن محمد بالجمهورية ، وشيئ ما لنادية عابد بقلم أحمد بهاء الدين في مجلة صباح الخير قبل أن يكتبها مفيد فوزي ، وكان يكتب في صباح الخير لويس جريس وحسن فؤاد ورؤف توفيق وتدهشني رسومات حجازي وأشعار فؤاد قاعود ، أنا من جيل كان يتابع يوميا كاركاتير صلاح جاهين بالأهرام ولم يكن يعجبني وقتها ولكنه أعجبني عندما نضجت ، وكانت مجلة حواء هي المجلة النسائية الوحيدة وبها باترون هدية ، ومجلة الكواكب هي المجلة الفنية الوحيدة وكان يرأس تحريرها حسن إمام عمر وقبله كمال النجمي ، أما المجلات الفنية الأخرى فكانت لبناينة مثل الشبكة عن دار الصياد والموعد ونورا لمحمد بديع سربيه ، ومجلة “سمر” وهي عبارة عن قصص فوتوغرافية مصورة لنجوم إيطاليين بالأبيض والأسود وهم نجوم معروفين للقارئ مثل كاتيوشا الجميلة وفرانكو داني وكانت صورهم بوسترات تعلق في غرف النوم في ذلك الوقت

أنا من جيل تابع لأول مرة أن تبدأ القناة الأولى الإرسال في العاشرة صباحاً يوم الأحد فقط ومايسمى باليوم المفتوح قبل أن يسموه البرنامج المفتوح ، كان بداية الإرسال دائماً في الثانية ظهرا للقناة الأولى والخامسة عصرا للقناة الثانية ، كان اليوم المفتوح شيئ غير عادي ان نجد التليفزيون يفتح إرساله صباحا وكان يقدم فصل من مسرحية وحلقة من مسلسل مشهور وأغنيات وينتهي الثانية ظهرا بفيلم اليوم المفتوح ابيض واسود ويقدم فقرة عن نجوم الفيلم وبذاكرة جبارة عبد الله احمد عبد الله الشهير بميكي ماوس وقصص حياة أنور وجدي ونجيب الريحاني واسماعيل ياسين ومحمد فوزي ، وطبعا لا ننسى إنقطاع الإرسال كل شوية ولوحة نعتذر عن العطل الفني ونعاود الإرسال حالاً ، وحالاً دي معناها خمس دقايق على الأقل مع حالة من التذمر عندما تكون وقت المسلسل أو الماتش

أنا من جيل عاصر عمر التلمساني ومجلة العروة الوثقى لسان حال الأخوان وممتاز نصار النائب البرلماني المحترم ومصطفى شردي رئيس تحرير الوفد ومصطفى كامل مراد زعيم حزب الأحرار ، وشاهد تحالف حزب العمل الإشتراكي بقيادة إبراهيم شكري مع الإخوان المسلمين وبدايات ظهور شعار الإسلام هو الحل ، وظهور أول جريدة معارضة في مصر وهي جريدة الأحرار ، وفؤاد سراج الدين رئيس حزب الوفد بعد عودة الحزب ، أنا من جيل شاهد كمال الدين حسين أحد الضباط الاحرار قبل ان يقبض عليه وهو يقاطع السادات ويهاجمه ويتهمه بالخيانة في مجلس الشعب على الهواء ويطرده السادات ويخرج من القاعة بمعرفة الحرس والنواب وبذكاءه المعتاد يتماسك السادات ويقول عودّتكم على الصراحة لكني أرفض الوقاحة ، أنا من جيل عاصر ممدوح سالم رئيسا للوزراء قبل كمال حسن على وفؤاد محي الدين وعاصر وزراء داخلية من النبوي إسماعيل مرورا بأحمد رشدي وتطبيقه قانون الإنضباط وأحداث الأمن المركزي قبل تولي زكي بدر المهمة حتى مات ، وحضر عبد الحليم أبو غزالة وزيرا للدفاع بعد كمال حسن علي وقبل يوسف صبري ابو طالب

أنا من جيل عاصر مقاطعة جميع الدول العربية واحدة تلو الأخرى في خلال بضعة أيام لمصر ، ولم يعد يتبقى من العرب له علاقات بمصر إلا السودان بقيادة جعفر النميري وسلطنة عمان بقيادة السلطان قابوس ، وكانت هناك إذاعة صوت بغداد التي تذاع من العراق التي تزعمت بما يسمى جبهة الصمود والتصدي وكانت الإذاعة موجهة لمصر تتهم السادات بالخيانة وتطالب بثورة شعبية على الخائن وكان يقدمها صحفيون وإعلاميون مصريون ممنوعون من دخول مصر ، دخلوها بعد أربع سنوات من وفاة السادات

أنا من جيل ظهر فيه مايعرف بسيدة مصر الاولى وقد إستطاعت السيدة جيهان أن تعطي للمنصب اهمية بمشروعات مثل الوفاء والامل وليموزين مصر ومستشفيات الاطفال وشهد سطوة إمراة في حكم مصر ولكنها كانت قديرة بلاشك ، أنا من جيل حضر مظاهرات الدفاع عن أفغانستان وحملات الجهاد والمجاهدين في الجامعة ضد الإتحاد السوفيتي وحكومة نجيب الله الموالية للإتحاد السوفيتي ومظاهرات سليمان خاطر ، أنا من جيل عاصر كارتر وريجان في أميركا وتاتشر وجون ميجور في بريطانيا وليونيد بريجينيف في روسيا وهيلموت شميت في ألمانيا وجيسكار ديستان وميتران في فرنسا وساندرو برتيني في إيطاليا ، وسقوط الشاه وعودة الخوميني إلى مدينة القُم في إيران ، ومقتل الملك فيصل قبل حكم الملك خالد ، والحبيب بورقيبة في تونس وهواري بومدين في الجزائر قبل الأمين زروال ، وإغتيال الرئيس اللبناني بشير الجميل ، وسقوط شاويسكو في رومانيا والقبض عليه وقتله ، والإطاحة بجعفرالنميري وتولي سوار الذهب السلطة الإنتقالية لمدة عام

أنا من جيل كان فيه صابون الوجه هو صابون جيم حداشر وميم اتناشر ويصرف على بطاقة التموين مثله مثل مسحوق الغسيل وكان هناك رابسو وشعاره يغسل بدون مجهود وسافو وشعاره غسيلك اكثر بياضاً وسوبر نيون وماكانش بينضف ، أما الشاي كان هناك فقط شاي التموين وهو إمّا شاي الجمهورية أو مبروك أو شمتو والسمن كانت تسمى مسلي وكان هناك مسلي السلطان والممتاز ، وكانت السجائر كليوباترا في علبة كرتون بها عشر سجائر كل خمس سجائر في صف وتفتح مثل علبة الكبريت وأنواع أخرى مثل الفلوريدا ، وكان الكيروسين يباع بالكوبونات على بطاقة التموين وكانت العطور هي فقط الشبراويشي وقسمة وأنوثة وخمس خمسات ومن الغربي كنا نسمع عن أزارو وأراميس والحريمي كان هناك شانيل نمرة خمسة وفيدجي ، والمياة الغازية كانت سيكوكولا ، وسيكو أفندي بعدما إختفت تدريجيا الإسباتس والسيدر والليمونادة

أنا من جيل أول من شهد قضايا الفساد متمثلا في الفراخ الفاسدة لتوفيق عبد الحي وكانت توزع أوراك كبيرة بحجم غريب يقال انها أوراك رومي ، ثم المرأة الحديدية هدي عبد المنعم قبل كثير من قضايا الريان والسعد والهدى مصر ، أنا من جيل عاصر تعطل جميع تليفونات القاهرة من الساعة الثانية للساعة الثالثة في نهار رمضان بسبب مسابقة يومية على القناة الثالثة تقدم جائزة فورية ألف جنيه من شركة السعد

أنا من جيل حضر إنقطاع الكهرباء في جميع أنحاء مصر في الثامنة مساءاً وعاد في بعض المناطق في الثانية صباحا ، يوم أن عاشت مصر كلها في ظلام دامس قبل ان يقع زلزال مصر الرهيب أوائل التسعينات الشهير ، أنا من جيل شهد ظهور جهاز التسجيل الكاسيت كإختراع حديث تستطيع ان تتكلم وتسجل صوتك وتسمعه بعد ذلك وكان ذلك سحر مابعده سحر ، قبل أعوام من ظهور الفيديو الذي يسجل صوت وصورة ، أنا من جيل من شهد بدايات ظهور الكومبيوتر كان شبيه بلوحة المفاتيح فقط ويسمى سنكلير أو كومودور أربعة وستين وكانت سعته أربعة وستون كيلوبايت كيلو وليس ميجا وكان المونيتور هو جهاز التلفزيون وتحميل برنامج الكتابة عن طريق جهاز التسجيل تاخذ عملية التحميل خمس دقائق وتكرر المحاولة عشر مرات قبل أن تنجح عملية التحميل كان البرنامج على شريط كاسيت يعطي صوتا مثل صوت الفاكس في التليفون ثم ظهرت اجهزة المونكروم ( كتابة فقط باللون الاخضر ) وكومبيوتر من نوع اي بي ام متوافق وهو إما نوع إكس تي أونوع إيه تي وطبعا لايوجد شيئ اسمه صورعلى الكومبيوتر قبل ظهور برامج داتا بيز ولوتس وان تو ثري وبالطبع لايوجد شيئ اسمه انترنت قبل ظهور معالجات من نوع متين ستة وتمانين وتلتماية ستة وتمانين ولغة البرمجة هي البيسك وبرنامج التشغيل هو الدوس وكانت الإسطوانات الفلوبي بحجم خمسة وربع انش وليست تلاتة ونص وحجم الهارد 16 ميجا ، وبعدها ظهر الاتاري ذو الثمان لعبات كنا نترك مذاكرة الجامعة ونجلس بالساعات نلعب لعبات عقيمة مثل عبور الشارع أوالتزلج أو سباق السيارات بشكل سيارة أشبه بشخبطة

أنا من جيل كان إنتظر تسع سنوات لتركيب التليفون وكل عام يُقال لك أن هناك لجنة العام المقبل وكان وقتها رقم التليفون مكون من أربع أرقام ، وللإتصال بالقاهرة من مدينة المنصورة يستدعي الأمر الذهاب للسنترال وتحويل المكالمة لتليفون المنزل في توقيت معين لمدة معينة وعندما يفشل السنترال في طلب المكالمة تعود له في اليوم التالي بالإيصال لتحصل على النقود التي دفعتها

أنا من جيل درس مبادئ الإنجليزية وإيه أبل وبي بوول وسي كات في المرحلة الأعدادية ، وفي الثانوية درست مبادئ الفرنسية ودرست الكيمياء بالرموز العربية مثل يد2 أ ويد2 كب أ4 وحساب المثلثات بإختصارات جا ، جتا ، ظا ، ظتا بدلا من ساين وكوزاين وتان وكوتان وكان يستعمل جدول اللوغاريتمات في الرياضيات وتخرجت من الهندسة ولم أدرس حاسب آلي لم تكن هناك مادة بذلك الإسم وقتها

أنا من جيل شاهد مع الآخرين لأول مرة أفلام حسن الإمام خلي بالك من زوزو ، وبالوالدين إحسانا ، وأفلام مثل حمام الملاطيلي والسقا مات والصعود إلى الهاوية ، وقطة على نار ، وأفواه وأرانب ، ورجب فوق صفيح ساخن الذي استمر سبعة وأربعون إسبوعاً ، وسواق الأتوبيس ، والعار ، والباطنية ، وإنتبهوا أيها السادة ، والمذنبون وخمسة باب وأمواج بلاشاطئ وخائفة من شيئ ما وجنون الحب والمرأة التي غلبت الشيطان وكم بكينا مع حبيبي دائما وحضرت بدايات عاطف الطيب ومحمد خان وخيري بشارة

سعدت أني عشت هذا الزمن والأجمل أن إستطعت التواصل مع الجيل الحالي فلم يكن هذا الجيل إلا إمتداد للجيل السابق يعاصر أحداثا وتطورات لو سمعنا عنها أيامنا لما كان يتوقعها أحد
</S

جذور الصور النمطية للمسلمين في العقل الأميركي

جويلية 19, 2009

افتتح كريستوفر كولومبوس (1451-1506) يومياته التي كتبها وهو في طريقه إلى القارة الأميركية بالثناء على ملك وملكة أسبانيا فرديناند وإيزابيلا اللذين بعثاه في رحلته الاستكشافية. ومما امتدح به كولومبوس ملك وملكة أسبانيا أنهما “أكثر الملوك التزاما بالمسيحية”، وأنهما “أعداء دين محمد وكل الضلالات والبدع الأخرى” حسب تعبيره، وأنهما أجهزا على بقية المسلمين في أسبانيا من خلال السيطرة على مدينة غرناطة “حتى لقد رأيت بأم عيني أعلامكما الملكية ترفرف على قصر الحمراء… ورأيت ملك المسلمين يخرج من بوابة المدينة ويقبِّـل أيديكما”1.

جذور الاهتمام الأمريكي بالمسلمين


من المهم التذكير هنا أن الأميركيين كانوا يرتكبون ضد المسلمين في غرب إفريقيا من القرصنة والاسترقاق ما لا يقارن بما عاناه مواطنوهم في شمال إفريقيا فالعبيد الأميركيون لم يتجاوز عددهم بضع مئات، والعبيد الأفارقة وصل عددهم الملايين


هكذا حمل المهاجرون الأوربيون الأوائل إلى القارة الأميركية معهم في سفنهم العابرة للأطلسي تراثا ثقيلا من التحيز ضد الإسلام هو حاصل قرون مديدة من الصراع بين المسلمين والمسيحيين الأوربيين في الشام ومصر والأناضول والأندلس. وتدل كلمات كولومبوس في يومياته على أن الصورة النمطية السلبية عن الإسلام والمسلمين وصلت إلى أميركا مع وصول كولوبوس نفسه. بيد أن هذه الصورة السلبية تعمقت أكثر في القرون التالية كما سنرى في هذه الدراسة.

ويمكن البحث عن جذور الصورة النمطية للمسلمين في العقل الأميركي من خلال مصادر متعددة من أهمها:

خطب وكتابات رجال الدين الأميركيين الأوائل وما أثاروه في جدلهم الداخلي من إشارات إلى المسلمين، وما أوردوه من طعون وردود ضد الإسلام.
الوثائق السياسية والدبلوماسية، مثل خطابات الرؤساء الأمريكيين الأوائل، والمعاهدات بين أميركا ودول المغرب العربي، والرسائل الدبلوماسية ذات الصلة.
السير الذاتية التي كتبها العبيد الأميركيون في الجزائر وليبيا عن تجربتهم في الرق في البلاد الإسلامية، وانطباعاتهم عن الأرض والسكان والثقافة.
قصص الرحالة الأميركيين الأوائل إلى فلسطين، وأكثر هؤلاء من المسافرين بنِية الحج إلى الأرض المقدسة أو نشر الديانة المسيحية.
ولعل حقبة الذروة في اهتمام الأميركيين الأوائل بالإسلام والمسلمين كانت العِقد الممتد بين 1785 و 1795. ففي هذه الأعوام اختطف الجزائريون والليبيون بضعة مئات من الأميركيين العابرين في سفنهم التجارية البحر الأبيض المتوسط واتخذوهم عبيدا. وقد بعثت الدولة الأميركية الوليدة السفير جوول بارلو (1754-1812) ثم السفير ويليام شيلر (1778-1833) لافتداء العبيد الأميركيين من الحاكم العثماني للجزائر.

وقد كتب بعض العبيد الأميركيين السابقين في الجزائر عن تجربتهم المرة في الاسترقاق، جمعها المؤرخ بول بايبلير في كتابه “عبيد بيض وسادة أفارقة”2، وتحدث كل من الرئيسين واشنطن وجفرسون عن هذه الأزمة في خطابات رسمية، وترك السفير بارلو رسائل بالفرنسية بعثها من الجزائر إلى زوجته روث بارلو المقيمة آنذاك في مدينة مارسيْ الفرنسية، وألف السفير شيلر كتابا بعنوان: “شذرات من الجزائر” صدر عام 1826، كما صدر عملان أدبيان على الأقل عن الموضوع، وهما رواية بيتر ماركو المعنونة “الجاسوس الجزائري في بنسلفينيا” التي صدرت عام 1787، ومسرحية روزانا راوسون المعنونة “عبيد في الجزائر” التي صدرت عام 1794.

ومن المهم التذكير هنا أن الأميركيين كانوا يرتكبون ضد المسلمين في غرب إفريقيا من القرصنة والاسترقاق ما لا يقارن بما عاناه مواطنوهم في شمال إفريقيا. فالعبيد الأميركيون لم يتجاوز عددهم بضع مئات، والعبيد الأفارقة وصل عددهم الملايين، منهم حوالي ثلاثين ألف مسلم من السنغال وغامبيا وغينيا، كما وثق ذلك المؤرخ آلان أوستن3.

الاستعمال الجدلي للإسلام


يوصف المسلمون في كتابات الأميركيين الأوائل دائما بأنهم كفار ووثنيون، حتى حينما يكون سياق الحديث لا يدعو لذلك ففي الأجواء الرومانسية التي تسود مسرحية سوزانا راوسون “عبيد في الجزائر” يصف العبد الأميركي فريدريك عشيقته الجزائرية بـ”حلوتي الصغيرة الكافرة” My sweet little infidel


إن رؤية الأميركيين الأوائل للإسلام لا تختلف عن الرؤية الأوربية الاستشراقية كثيرا، فهي تتمحور حول محاور أربعة، هي اتهام الإسلام بأنه ديانة ظلامية استبدادية، مناهضة للمسيحية، تحبذ الحياة الإباحية الشهوانية، وتضطهد المرأة. وإنما الجديد هنا هو السياق الأميركي الذي تم فيه وضع هذه التهم القديمة المتجددة. فلننظر الآن في هذا السياق.

يعتبر كوتون ماثر (1663-1728) أكثر رجال الدين تأثيرا في التاريخ الأميركي، فقد ألف حوالي 450 كتابا ورسالة، ووصفه أحد مؤرخي الأديان الأميركيين بأنه “الرجل الذي وضع الأساس الأخلاقي للأمة الأميركية”. ومعروف عن ماثر تحامله وحقده الشديد على الإسلام والمسلمين. ففي خطبة له بعنوان “أمجاد النعمة” اتهم ماثر النبي محمدا صلى الله عليه وسلم بالافتراء، ولَعَن القرآن الكريم، ووصف المسلمين بأنهم “أتباع محمد القذرون”4. وفي خطبة أخرى بعنوان “دموع أميركية على أطلال الكنائس اليونانية” هنأ ماثر نفسه بأن الأرض الأميركية لم تطأها قدم مسلم قط5. وعلى خطى ماثر سار العديد من رجال الدين والسياسة الأميركيين منذ القرن السابع عشر حتى اليوم.

ويوصف المسلمون في كتابات الأميركيين الأوائل دائما بأنهم كفار ووثنيون، حتى حينما يكون سياق الحديث لا يدعو لذلك. ففي الأجواء الرومانسية التي تسود مسرحية سوزانا راوسون “عبيد في الجزائر” يصف العبد الأميركي فريدريك عشيقته الجزائرية بـ”حلوتي الصغيرة الكافرة” My sweet little infidel و”عزيزتي الصغيرة الكافرة” Dear little infidel. 6

وقد لا حظ تيموثي مارْ وتوماس كيدْ -وهما من أوسع الكتّاب الأميركيين المعاصرين اطلاعا على تاريخ العلاقات الإسلامية الأميركية- أن الإسلام تم استخدامه استخداما جدليا سيئا من طرف القادة الأميركيين الأوائل. فقد كانت صورة الإسلام والمسلمين مشوهة في عقول أولئك القادة، فاستخدموا تلك الصورة الشوهاء في معاركهم السياسية داخل أميركا. ومن أمثلة ذلك أن الرئيس جون كوينسي آدمز (1767-1848) هاجم الرئيس توماس جفرسون (1743-1826) مرة في إحدى الحملات الانتخابية ووصفه بأنه “النبي العربي”7. بل إن إحدى مسودات الدستور الأميركي التي أوردها جيفرسون في سيرته الذاتية كانت تنص في مقدمتها على أن ملك انكلترا يرتكب ضد الأميركيين “القرصنة الحربية وغير ذلك من مخازي القوى الكافرة”8، والمقصود بـ”القوى الكافرة” هي الدول المسلمة في شمال أفريقيا، كما لاحظ تيماثي مار وغيره9.

ونفس الاستخدام الجدلي السيئ للإسلام نجده في الصراع بين الطوائف المسيحية الأميركية، فهذا القسيس المعمداني الأميركي روجر ويليامز (1603-1684) يهاجم القسيس المنهجي جورج فوكس (1624-1691) ويصفه بأنه “محمد الجديد”10. وحينما ظهر مذهب “المورمون” على يد جوزيف سميث (1805-1844) اعتبره قادة الطوائف المسيحية الأخرى بدعة منكرة، وسرعان ما اتخذ هؤلاء القادة من الإسلام ومن النبي محمد صلى الله عليه وسلم ذريعة لهجماتهم على المذهب الجديد. فمن التسميات الازدرائية التي استخدمها معارضو جوزيف سميث ضده تسمية “محمد الأميركي” و”محمد أونتاريو” ومحمد اليانكي”11. أما أونتاريو فهي البلدة التي ولد فيها جوزيف سميث وأما “اليانكي” Yankee فهي كلمة دارجة ذات مدلول ازدرائي، استخدمها سكان الجنوب الأميركي لسكان الشمال خلال الحرب الأهلية بين الطرفين، كما استخدمها الإنكليز وغيرهم في نعت الأميركيين بالجفاء والخشونة. وقد استمر “وصم” طائفة المورمون –على سبيل الازدراء- بأنهم مسلمون إلى مطلع القرن العشرين، كما يدل عليه كتاب بروس كيني “مذهب المورمون: إسلامُ أميركا”12الصادر عام 1912.

أنماط الصور النمطية


كان لنزعة الاستعلاء العرقي لدى الكتّاب الأميركيين أثر عميق على رؤيتهم للشعوب المسلمة التي احتكوا بها فنالت جميع أعراق المغرب العربي عربا وأتراكا وزنوجا حظها من التحيز العنصري فوصف كوتون ماثر ملك المغرب بأنه “شيطان إفريقي” وعبر عن تقززه من وجود عبيد بيض في شمال إفريقيا يسوسهم سيد عربي-إفريقي إذ العبودية في عرفه خاصة بالأفارقة السود


يمكن تقسيم أنماط الصور النمطية السلبية في هذا التراث الأميركي المتعلق بالمسلمين إلى أربعة أصناف: رؤية الأميركيين للإسلام، ورؤيتهم للأوطان الإسلامية، ورؤيتهم للسكان المسلمين، ورؤيتهم للحياة الاجتماعية لدى هؤلاء السكان. أما رؤية الأميركيين الأوائل للدين الإسلامي فقد رأينا نماذج منها، وأما عن رؤيتهم للأوطان الإسلامية فقد عبر الكتاب الأميركيون عن استبشاع عميق لها، حتى الذين لم يروها قط منهم. فهذا القسيس كوتون ماثر يصف الجزائر بأنها “بلاد التنين وبطن جهنم”13 ويدعو المغرب “عرين الأسد في تلك الناحية من بلاد البرابرة”14. وهذا السفير بارلو يصف الجزائر في رسائله لزوجته بأنها “عرين القراصنة ومجمع الخبائث”15 و”الأرض الملعونة”16 و”المكان البغيض”17 و”وكر الفساد والوباء والحماقة”18. ويستعمل بارلو أحيانا أسلوبا ساخرا للتعبير عن حقده على الجزائر فيكتب مثلا: “لقد خُلِق هذا العالَم بطريقة لم أكن لأوافق عليها. فهنالك أشياء لم أكن لأخلقها لو كان لي من الأمر شيء، ومنها مثلا مدينة الجزائر”19. وحينما رحل بارلو عن الجزائر قافلا إلى فرنسا وصف نفسه بأنه “شبح خارج من جهنم”.20

أما السكان المسلمون فقد أضفى عليهم الكتاب الأميركيون أبشع أنواع الوصف، ووصموهم بالهمجية والوحشية، حتى سماهم المستعبَد السابق جون فوس “المحمديون القساة”21. ولترسيخ هذه المعاني استخدم أولئك الكتاب الحيواناتِ صورا مجازية. فالقسيس ماثر يقول عن ملك المغرب إنه “نمر يسمونه عندهم إمبراطورا”22، والمستعبَد السابق جون فوس يصف الجزائر بأنها “صحراء متوحشة ملأى بالأسود والنمور والفهود والثعالب والجواميس والخنازير والنيص، ولا بد أن أعترف أن هذه الحيوانات ليست أقل سكان هذه البلاد مودة.”23 ومن الواضح أن الجزائر لم تكن ملأى بكل هذه الحيوانات، لكن المهم عند جون فوس هو الوظيفة المجازية لا دقة المعلومات.

وقد كان لنزعة الاستعلاء العرقي لدى الكتّاب الأميركيين أثر عميق على رؤيتهم للشعوب المسلمة التي احتكوا بها. فقد نالت جميع أعراق المغرب العربي –من عرب وأتراك وزنوج- حظها من التحيز العنصري في هذه الكتابات. فقد وصف كوتون ماثر ملك المغرب بأنه “شيطان إفريقي”24 وعبر عن تقززه من وجود عبيد بيض في شمال إفريقيا يسوسهم سيد عربي-إفريقي25، إذ العبودية في عرفه خاصة بالأفارقة السود. ونفس الصورة الشيطانية استخدمها المستعبَد الأميركي السابق جون فوس في وصفه لسكان الجزائر من الأتراك حيث كتب “إن طريقة لبسهم ولُحاهم الطويلة تجعلهم أقرب إلى الشياطين منهم إلى البشر”26. وفي المسرحية المعنونة “عبيد في الجزائر” وصف أحد أبطال المسرحية الأوربيين الأتراكَ بأنهم “أشرار، أنذال، أخِساء، أوغاد”27 وكأن اللغة لا تتسع للكلمات البشعة التي يريد استخدامها. أما المستعبَدة أليزا برادلي (وهي شخصية خيالية إذ لم يكن بين العبيد الأميركيين نساء) فقد اشتكتْ من “السحنة الوحشية في الوجوه العربية”28.

وفي رؤيتهم للحياة الاجتماعية في المغرب العربي أظهر الأميركيون الأوائل مزيجا من الجهل والاستعلاء. إذ يزعم السفير بارلو أن عقوبة المرأة الزانية في الجزائر هي رميها في البحر موثَقةً إلى صخرة29، وهي عقوبة أقرب إلى قانون حمورابي منها إلى التشريعات العثمانية التي كانت تحكم الجزائر. وفي المسرحية “عبيد في الجزائر” يهدد الحاكم العثماني للجزائر امرأة تسمى “فتنة” بأن تحبه وإلا فإنه سيقطع رأسها30.

وكانت بعض قبائل البربر هي الاستثناء الوحيد من هذا التحيز العرقي في الكتابات الأميركية، لأن الكتاب الأميركيين اعتبروها شعوبا بيضاء. وفي دراسة للسفير ويليام شيلر عن لغات وأعراف بعض قبائل البربر يصف شيلر هذه القبائل أحيانا بأنها “شعوب بيضاء، ذكية جدا، متمرسة بالتجارة”31، وأحيانا بأنها “شعوب بيضاء، وافرة العدد، شجاعة ومتمرسة بالحرب”32. ولكي يتغلب شيلر على التناقض في وصفه لسكان المنطقة يرجح في كتابه “شذرات عن الجزائر” أن هذه القبائل من أصول أوربية33، وبالتالي فهي ليست جزءا من شعوب الشمال الإفريقي.

رؤية أبي الأدب الأميركي


دفع الجهل بالإسلام توينْ إلى ادعاءات غريبة منها أن المسلمين يعتقدون أن بمدينة القدس عمودا فخاريا سيجلس عليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ليحكم على أعمال البشر، ثم يعلق توينْ على هذه الجهالات بقوله “ليته حكم عليهم من أحد الأماكن في موطنه مكة، ولم يتجاوز الحدود إلى أرضنا المقدسة”


إن النصوص الأميركية التي استشهدنا بها حتى الآن تنتمي إلى الحقبة الزمنية الممتدة من نهاية القرن الخامس عشر إلى بداية القرن التاسع عشر. فلنتقدمْ في الزمان ولننظر نموذجا من الكتابات الأميركية حول المسلمين تنتمي إلى القرن التاسع عشر. وقد اخترنا الكاتب الأميركي مارك توينْ (1835-1910) الذي يدعَى “أبا الأدب الأميركي” لما لكتاباته من أثر وانتشار.

سافر مارك توينْ عام 1867 إلى فلسطين في رحلة بحرية مرت بأوربا والمغرب، وكتب رسائل عن رحلته جمعها فيما بعد في كتابه “الأطهار في الغربة”34، وظل هذا الكتاب أوسع كتب الرحلات الأميركية انتشارا خلال مائة عام.35 وقد عد ادوارد سعيد توينْ أحد الأدباء الأميركيين المتتبعين للعورات الذين تعمدوا إغفال الحديث عن أي أمر إيجابي في المجتمعات العربية والإسلامية.36 والمتأمل في كتاب توينْ يجد تحيزا وضيق أفق في النظرة إلى المسلمين، رغم أن الكاتب ذكر حكمة جميلة في صدر الكتاب وهي أن “السفر قتَّال للجهل والتحيز وضيق الأفق”.37 وقد امتزجت في عقل الكاتب الأميركي الأشهر التحيزات الدينية الموروثة عن العصور الوسطى مع الاستعلاء العرقي والروح الامبريالية السائدة في القرن التاسع عشر.

وقد دفع الجهل بالإسلام توينْ إلى ادعاءات غريبة منها أن المسلمين يعتقدون أن بمدينة القدس عمودا فخاريا سيجلس عليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ليحكم على أعمال البشر. ثم يعلق توينْ على هذه الجهالات بقوله “ليته حكم عليهم من أحد الأماكن في موطنه مكة، ولم يتجاوز الحدود إلى أرضنا المقدسة”38. ومنها قوله إن المسلمين بالقدس يؤمنون بأن “البوابة الذهبية” في سور القدس إذا انهارت فسينهار معها الإسلام والإمبراطورية العثمانية، ثم يعرب توينْ عن غبطته بالتصدع في البوابة المؤذن بقرب الانهيار الكبير39.

ورغم أن مارك توينْ معروف بفكره الليبرالي المتحرر من أي دين، فإنه إذا تحدث عن الإسلام والمسلمين يبدي تعصبا دينيا غريبا. يصف توينْ مثلا إحدى زيارته وزملاؤُه لأحد المساجد في فلسطين ويذكر كيف مشى الحجاج الأميركيون على بساط المسجد دون خلع نعالهم “وكان ذلك بمثابة تقطيع لقلوب أولئك العرب” حسب تعبيره. ثم يكتب توينْ: “إن المشي بالنعال على سجادات الصلاة المقدسة –وهو أمر ما كان عربي ليفعله أبدا- قد آلم هؤلاء الناس الذين لم ينالونا بأي سوء. افترضْ أن جماعة من الغرباء المسلحين دخلوا كنيسة في إحدى القرى الأميركية ثم خلعوا بدافع الفضول فسيفساء المرمر التي تزين المذبح، ثم صعدوا ووطئوا بأقدامهم على الكتاب المقدس…” لكن توينْ لا يجد مبررا لهذه المقارنة، وسرعان ما يؤكد أن “الأمر مختلف تماما، فهنالك فرق بين تدنيس معبد لديننا وبين تدنيس معبد وثني”40 يقصد المسجد.

وهذه الازدواجية في الموقف من الدين نجدها أيضا في مواقف توينْ السياسية إذا تعلق الأمر بالمسلمين. فرغم أن الرجل اشتهر بمعارضة الغزو الأميركي للفلبين، والكتابة ضده، وإدانته الأخلاقية، فإنه كان يمقُت الدولة العثمانية المسلمة، ويعبر عن أمنيته في رؤيتها تفنى على أيدي الروس41.

أما التحيز العرقي ضد العرب والمسلمين عند مارك توينْ فحدث ولا حرج. فقد وصف النساءَ العربيات في طنجة وبيروت والناصرة بأنهن “يشبهن المومياء”42 وأنهن يخفين وراء لباسهن “قبحا مهلكا”.43 وقد اجتمع التحيز الديني والعرقي في رؤية توينْ للحراس العرب المرافقين لقافلته في فلسطين، فقد كتب: “إنه لأمر مخزٍ أن يكون المسيحيون البيض المسلحون تحت حراسة حشرات كهذه ضد قطاع الطرق في الصحراء.”44 وأبدى توينْ إعجابه بأحد الحجاج الأميركيين يدعى غريمس Grimes لأنه كان لا يراه إلا منحنيا يبكي على أيقونة مسيحية أو مسددا بندقيته لقتل أحد العرب45 كما يزعم.

احتلال الضمير الأميركي


لا يخلو تاريخ العلاقات القلقة بين أميركا والعالم الإسلامي من جهود تأويلية على أيدي مثيري الفتن ومشعلي الحروب من الصهاينة، هدفها إدامة الحقد ونكء الجراح. ومن أهم الجهود في هذا المضمار كتاب مايكل أورين الصادر عام 2007 بعنوان “القوة والعقيدة والوهم: أميركا في الشرق الأوسط من عام 1776 إلى اليوم”


قد لا يكون من الإنصاف القول إن الأميركيين لم يتعلموا الكثير عن المسلمين منذ أيام كولومبوس، وأن الصورة النمطية التي كانت في ذهن القسيس كوتون ماثر في القرن السابع عشر لا تزال كما هي في أذهان كل رجال الدين المسيحيين الأميركيين. الحقيقة أن الكثير قد تغير وأن المعرفة بالعالم الإسلامي قد تعمقت كثيرا خلال القرن العشرين. لكن هل المعرفة تنتج التفهم والتعايش بالضرورة؟ يبدو من خلال استقراء الثقافة الأميركية المكتوبة حول المسلمين أن الجواب على هذا السؤال ليس بالأمر السهل. فقد دفعت المعرفة بالكثير من الأميركيين إلى تغيير نظرتهم السلبية، وجعلتهم ينظرون إلى المسلمين بشكل أكثر تواضعا وأقل تبجحا. لكن آخرين لا تزيدهم هذه المعرفة إلا إمعانا في العداء والتحيز.

وأسوأ ما يؤثر على العقل الأميركي اليوم في نظرته للعرب والمسلمين هو وجود تيار صهيوني قوي يمسك بتلابيب الأميركيين ويحول بينهم وبين تغيير نظرتهم إلى المسلمين بشكل أفضل. وأهم ما يحرص عليه هذا التيار هو إدامة الصور النمطية السلبية وإعادة إنتاجها، وهو يعتمد على جيش من المستشرقين أمثال “برنارد لويس” وتلميذه “مارتن كرامر”، والصحفيين أمثال “توماس فريدمان” و”ويليام كريستول”، وعدد لا يحصى من منتجي ومخرجي هوليوود. وليست تنقص التيار الصهيوني الأميركي المعلومات الصحيحة عن الإسلام أو العرب، وإنما تنقصه النزاهة الفكرية والأخلاقية. وقد تتبع البروفسور جاك شاهين بهمة عالية الجهدَ المنسق في هوليوود وفي الإعلام الأميركي الذي يملك الصهاينة أكبر مؤسساته لتعميق وإدامة الصور النمطية السلبية عن العرب والمسلمين، وخصص لذلك ثلاثة من كتبه، هي “عربي التلفزيون”46 و”العرب الحقيقيون الأشرار: كيف تلطخ هوليوود كرامة شعب”47 و”مدان: حكم هوليوود على العرب بعد 11 سبتمبر”.48

ولا يخلو تاريخ العلاقات القلقة بين أميركا والعالم الإسلامي من جهود تأويلية على أيدي مثيري الفتن ومشعلي الحروب من الصهاينة، هدفها إدامة الحقد ونكء الجراح. ومن أهم الجهود في هذا المضمار كتاب مايكل أورين الصادر عام 2007 بعنوان “القوة والعقيدة والوهم: أميركا في الشرق الأوسط من عام 1776 إلى اليوم”.49 والمؤلف لمن لا يعرفه إسرائيلي أميركي كان ناطقا باسم الجيش الإسرائيلي خلال الهجمة على لبنان عام 2006، ومع ذلك يراه الأميركيون المغفلون مؤرخا نزيها!! حتى إن أحد أساتذتي بجامعة تكساس جعل الكتاب ضمن الكتب المقررة عليَّ في امتحاناتي النهائية للدكتوراه. والحقيقة أن أورين يعيد قراءة تاريخ العلاقات الأميركية الإسلامية بمنطق إسرائيلي بحت، هدفه تعميق الجفوة وإدامة الصراع بين أميركا والعالم الإسلامي. وليس الكتاب سوى لبنة بسيطة ضمن جهد منسق وناجح لاحتلال العقل الأميركي واستغلال جهل الأميركيين التقليدي بالعالم من حولهم بما يخدم إسرائيل وامتداداتها. ومثل كتاب أورين كتاب روبرت كابلان “المستعربون”50 وهو إعادة قراءة لتاريخ الدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط يسفه كل جهد للتعايش مع العرب، ويتهم الدبلوماسيين الأميركيين الداعين إلى إنصاف الفلسطينيين بالبلاهة والرومانسية. وقد خدم المؤلف في الجيش الإسرائيلي خمس سنين قبل أن يصبح منظرا أميركا!!

ومهما يكن من أمر ، فإن جذور الصور النمطية السلبية عن المسلمين في العقل الأميركي جذور عميقة، وهي تعبر عن نفسها في أشكال مختلفة من التحيز الديني والعرقي يدركها الدارسون للثقافة الأميركية والتاريخ الأميركي. وهذه الصور النمطية السلبية هي القاعدة الأخلاقية التي تشرع التدخل الاستراتيجي في المنطقة، والعدوان الدائم على أهلها منذ عقود. ورغم العمل الرائد الذي أرساه العرب والمسلمون الأميركيون، والجهد المشكور الذي يبذله بعض الكتاب والمثقفين الأميركيين المنصفين للتغلب على هذه الصور النمطية السلبية، فإن الاحتلال الصهيوني للضمير الأميركي حاجز كثيف يمنع نفاذ هذه الجهود الطيبة إليه. وما دام الصهاينة يتخذون من أميركا سلَّما لأمجاد بني إسرائيل، والنخبة الأميركية راضية بذلك، فإن أي جهد لتصحيح الرؤية الأميركية للإسلام والمسلمين سيكون محفوفا بالأشواك.

ومع ذلك فإن المفتاح لهذا الجهد الضروري اليوم أكثر من أي وقت مضى يتلخص في أمرين، أولهما: الدراسة المعمقة لتاريخ وثقافة الولايات المتحدة واستيعاب خريطتها الدينية والسياسية عبر مراكز متخصصة في الدراسات الأميركية في جامعات الدول العربية والإسلامية، وثانيهما الاستثمار الكثيف في الإعلام العالمي الناطق بالإنكليزية وعدم الوقوف على الجانب وترك المجال لتجار الحروب من الصهاينة يسرحون فيه ويمرحون. فإلى هاتين الجبهتين ينبغي أن يتجه جهدنا اليوم إذا ما أردنا لنا مكانا جديدا على المسرح العالمي، غير محجور علينا بالصور النمطية والأحكام الجائرة.
_______________